مع شروق شمس يوم شتوي باردة ينطلق الحطاب "أبو محمد" صاحب محطب في مدينة خان يونس نحو يوم جديد، بهمة عالية وأمل في رزق وفير وبيع كثير، يتجه برفقة بعض العمال نحو أرض زراعية مليئة بأشجار الزيتون، حاملًا معه بعض المعدات التي يحتاج لها من مناشير كهربائية، وأدوات تقليدية كالفأس يحول بها القطع الكبيرة من الأخشاب إلى قطع صغيرة.
يعود بذاكرته إلى الوراء سنوات طويلة عندما كان صغيرًا وجده يعمل في مهنة التحطيب ويساعده فيها، إذ كان يذهب برفقته إلى بيارات الزيتون والحمضيات التي حصد المحصول فيها.
يقول أبو محمد لصحيفة "فلسطين": "جمع الحطب مهنة قديمة، ومن المهن الموسمية التي تنشط في فصل الشتاء، تحديدًا بعد نهاية شهر سبتمبر، أي بعد قطف الزيتون، ويعدها بعض من المهن التراثية، التي يندر العمل فيها".
ويضيف: "انخفضت أعداد العاملين في مجال جمع الحطب مقارنة بالسنوات السابقة، بسبب الجهد الذي تحتاج إليه المهنة مقابل العائد المادي القليل، فلا تكافؤ بينهما، إلى جانب ما أوجده العصر الحديث من بدائل أدت إلى تقليل الاعتماد على الحطب في التدفئة، ولكن لا تزال هناك فئة قليلة ممن يستخدمونه، ولكن بكميات أقل من التي كانت تباع في السنوات السابقة".
ويشير أبو محمد إلى أنه يكثر استخدام بعضٍ الحطبَ في فصل الشتاء للتدفئة بالمنازل أو أماكن جلسات الشباب، أو مزارع الدجاج بدلًا من الغاز، ويقبل عليه بعضٌ لاستخدامه في طهي الطعام بدلًا من الغاز، خاصة المندي.
وبعد قص خشب الأشجار المعمرة التي يزيد عمرها على 20 عامًا بالمناشير الكهربائية يحوله العمال إلى قطع خشبية لا يزيد طولها على 50 سم، لترتب إيذانًا بنقلها بسيارة نقل وترتب في قطعة أرض تستأجر مدة عام تقريبًا.
ويلفت أبو محمد إلى أنه يبيع الطن الواحد من خشب الزيتون مقابل 170 دولارًا، أي ما يقارب 600 شيقل، في حين تباع الكمية ذاتها من خشب الحمضيات مقابل 205 دولارات أي نحو 800 شيقل، أيضًا يختلف سعر الطن من الأغصان عن خشب الجذور.
ويبين أن أجود أنواع الحطب هو الذي يجمع من أشجار الزيتون والحمضيات، فالنوعان يمتازان بطول مدة اشتعال الحطب، وصلابته، وقدرته على تشكيل الجمر دون دخان، وأحيانًا يستخدم حطب أشجار الجوافة، لكنه لا يشكل 5% من كمية الحطب التي تجمع.
ويتحدث الثلاثيني عزام الأغا الذي يعمل في جمع الأحطاب عن التحديات التي تواجه العاملين في هذه المهنة، وتتمثل في عدم توافر الآلات والمناشير الكهربائية الخاصة بالقص، وأن كثيرًا من قطع الغيار غير متوافرة بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي إدخالها، وفي حال توافرها سعرها يرتفع بشكل مضاعف عن السعر الأصلي، وتكبد الحطاب أيضًا أعباء مالية كثيرة تتمثل في المواصلات والنقل، واستئجار أرض لوضع الأخشاب فيها.
وينبه إلى أن إغلاق المعابر حرمهم تصدير الأخشاب الذي من شأنه أن يحيي هذه المهنة، مشيرًا إلى سوء الوضع الاقتصادي في القطاع أدى إلى خفض سعر الخشب، ففي عام 2006 كان ثمن الطن الواحد منه يصل لـ1500 شيقل.
يتابع الأغا حديثه: "ومع مرور الوقت على الخشب المقصوص يقل وزنه، فيقل الربح فيه، فمثلًا عند قصه يبلغ وزنه 10 أطنان، وعند بيعه بعد 7 شهور يصبح 5 أطنان".
ويذكر أن مهنة جمع الحطب تحتاج إلى جهد كبير ونفس طويل وصبر، ففيها جانب من المخاطرة والمغامرة، ومع ذلك مردودها المالي قليل لا يكاد يكفي احتياجات أسرته.
ورغم تراجع مهنة التحطيب في غزة لا يتوقع الأغا اندثارها، فجلسات الشباب في المساءات التشوية لا تتم دون نار تقيدها الحطب، وكذلك طعام المندي الذي يحبه الجميع في الرحلات الصيفية.
ولاتساع العمران في قطاع غزة كثير من الأشجار كان مصيرها القطع، لذا يضطر من يعملون في التحطيب إلى التوجه للمناطق الحدودية لإشباع حاجتهم من الأشجار هناك، إضافة إلى اعتمادهم على موسمي الزيتون والحمضيات، رغم قلة مزارع الأخيرة.
وارتفعت خلال المدة الماضية نسبة استخدام سكان قطاع غزة الحطب -على ندرته- في التدفئة وإعداد الطعام، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.