فلسطين أون لاين

مدينون للجامعات برسوم تراكمية غير مسددة

تقرير أبناء منتفعي الشؤون.. حياةٌ معطلة دون شهاداتهم الجامعية المحتجزة

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

"درست بالجامعة وكانت أمنيتي مساعدة زوجي والوقوف بجانبه، لكونه مريضًا، ونعيش في حاصل بالإيجار لا تدخله الشمس، ولا هواء يتجدد لطفلينا، وكأننا في سجن"، هذه السيدة وغيرها آلاف من أبناء منتفعي الشؤون الاجتماعية حجزت جامعات غزية على شهاداتهم، لعدم مقدرتهم على سداد الرسوم الدراسية المتراكمة.

في الحلقة يكمن سبب رئيس يتمثل في عدم صرف وزارة التنمية والشؤون الاجتماعية برام الله مخصصاتهم المستحقة منذ عام 2017.

في عام 2019 أنهت إسراء الهواري دراستها الجامعية في جامعة الأمة، تخصص "تعليم أساسي"، على أمل أن تجد لها مكانًا بين الطلبة في الفصول الدراسية.

كانت في بداية كل فصل تدفع عشرين أو أربعين دينارًا بهدف الحصول على فرصة للدراسة والدخول للامتحان، تعتصر المرارة صوتها: "حبيت أكمل تعليمي وأقف مع زوجي اللي يوم بشتغل وعشرين قاعد، لكن علينا رسوم حوالي ألف دينار من وين بدنا نسدهم؟! لكني الآن كل همي بات تحرير الشهادة من الاحتجاز داخل أسوار الجامعة".

"من أزمة الشهادة إلى مصيبة الإيجار" تعبر عما تعيشه، يذهب أبناؤها من حي الصبرة إلى مدارسهم الابتدائية بالقرب من ملعب اليرموك بمدينة غزة مشيًا على الأقدام، وكثيرًا لا تملك مالًا لإعطائهم مصروفهم اليومي، وهي التي كانت تتمنى أن تقف في المدرسة ذاتها معلمة، وهذا ما يزيد حرقتها على نفسها: "شو بدي أسوي؟! زعلانة كتير على حالي وعلى السنوات اللي ضيعتها؛ نفسي أجبلهم شو ما بدهم، لكن ليس في اليد حيلةً".

عدم صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية راكم معاناة عائلة إسراء، إذ تجاوز دفتر الدين لدى البقالة الحدود المسموح بها، ومعظم طعامهم من البطاطا والبندورة، يطبق على حياتهم حاصل لا تدخله الشمس إلا من أسفل فتحاته، فتضطر إلى الصبر على نفسها وتأجيل فرحتها بتسلم الشهادة المحتجزة إلى حين "تحسن الأحوال".

بصيص أمل

في كل مرة تشعر مها الددا التي تخرجت في تخصص إدارة صحية بالكلية الجامعية للعلوم التطبيقية أن هناك "بصيص أمل جديد"، وهي تتابع أخبارًا عن مساعدات لفك حجز شهادات الطلبة، تعتقد أن الحظ سيحالفها وستحصل على شهادتها المحتجزة منذ عام 2018م، لكن سرعان ما يخفت الأمل بداخلها وهي تقبع خلف جدران اليأس والانتظار.

مها التي تسكن شرقي مدينة غزة تحتفظ بسنوات مريرة كانت فيها الدراسة شاقة، إذ تقول: "معظم الأيام التي كنت أذهب فيها إلى الكلية كانت مشيًا على الأقدام، تحملت تلك المعاناة لأصدم بأزمة حجز الشهادة ومبلغ متراكم يبلغ نحو 800 دينار (...) مرت ثلاث سنوات على تخرجي ولا أستطيع التقدم للحصول على بطالة، حتى التطوع يحتاج إلى إثبات وشهادة".

أما الخريج محمود أبو مطلق الذي درس الإدارة الصحية في الكلية الجامعية عام 2019 فيعيش حياة محاصرة، وهو يجلس مقيدًا بلا شهادة تخرج، يحمل على كاهله رسومًا تراكمية تبلغ 450 دينارًا أردنيًّا.

ويلفت إلى أن الجامعة تمنح الخريجين الذين عليهم مديونة إفادة خريج، لكنها غير معتمدة في الدوائر الرسمية وامتحانات التوظيف التي يأمل أن يحالفه التوفيق في واحد منها.

عن حياته بلا شهادة يخرج ما يعتمل قلبه من قهر: "أعيش أزمة ليست عادية، فعندما تذهب إلى التقديم لمؤسسة خاصة أو حكومية يطلبون الشهادة، حاولت كثيرًا ولو متدربًا بمستوصف صحي قريب منا، ولكنهم رفضوا، لذلك أعيش حياة معطلة".

وقد مثلت مخصصات الشؤون الاجتماعية لعائلة محمود العمود الأساسي للأسرة، تلبي أهم الاحتياجات الأساسية لعائلته المكونة من أحد عشر فردًا، منهم طلبة في الإعدادية والثانوية يحتاجون لمصاريف يومية ومقومات حياة غير متوافر الأدنى منها حاليًّا: "من يوم وقف المخصصات حتى اليوم نعيش واقعًا مريرًا، لا أستطيع الخروج من المنزل، ولا الحصول على فرصة عمل بسيط يوفر دخلًا".

فرحة مكسورة

كطائر مكسور الجناح عاد مازن أبو جراد الذي درس التمريض في جامعة الإسراء لوالدته، عندما تقدم لوظيفة حكومية لم يتمكن من تقديم امتحانها لعدم وجود الشهادة.

"هينا دخلنا بالسنة الثالثة وإحنا بنحاول نطلع شهادته" تقول والدته التي لم تكتمل فرحتها بتخرج ابنها، إذ كانت تأمل أن يعينهم على مواجهة الحياة، وعدم بقاء العائلة أسيرة مخصصات الشؤون الاجتماعية التي تتلاعب الوزارة في رام الله بموعد صرفها بين الحين والآخر.

يتراكم على مازن ألف دينار عليه دفعها للجامعة، وبنبرة صوت يعتليها الغضب أضافت والدته: "يفترض أيضًا على الجامعات مراعاة ظروفنا، إما بالتقسيط أو إلزامنا بدفع المبلغ من طريق كمبيالات، أو إعطائه الشهادة إلى حين حصوله على وظيفة، ثم نسمع كثيرًا عن قيادات فلسطينية تفك حجز الشهادات، ونستغرب لماذا اسم ابني ليس بينهم"، سؤال لا تجد عنه جوابًا.

ما يزيد صعوبة الوضع المعيشي للعائلة مرض زوجها الذي أجريت له عمليتا قلب، حتى لو صرفت مخصصات الشؤون الاجتماعية خلال المدة المقبلة؛ فإن الديون المتراكمة على العائلة ستحول دون دفع رسوم الجامعة، هذا ما تؤكده والدة مازن.

تتابع: "لا يمكن وضع المبلغ القادم –هذا في حال الصرف– في الجامعة، الله وحده يعلم حالنا وكيف نعيش ونمضي أيامنا، البيت تكسرت نوافذه ولا نستطيع إصلاحها؛ فيستحيل توجيهه لغير الطعام وسداد الديون".

تنقل مشاعر ابنها الذي لا يستطيع تحرير شهادته المحتجزة، وقد أطبق الأسى على صوتها: "هو مضطر إلى الصبر والانتظار، فعندما يرى هموم الناس والواقع المرير الذي يعيشه مستفيدو الشؤون الاجتماعية؛ فإنه يقتنع أننا لا نملك باليد حيلة، وأن المبلغ فوق طاقتنا، فبصعوبة نستطيع توفير الطعام".

أمام تراكم الرسوم واحتجاز الشهادات يأمل منتفعو الشؤون حل الأمر بعيدًا عن المخصصات، وأن يتعاطف الجميع مع قضيتهم بدءًا من الجامعات نفسها، ثم تدخل حكومي في قضيتهم، وهذا ما يتطلب تحلي وزارة الشؤون الاجتماعية بالمسؤولية تجاه هذه المأساة، التي يقر غالبيتهم أنها هي السبب الأساسي في تراكمها، وإخراج الشهادات من سجن الاحتجاز الجامعي.

فالمعاناة بدأت منذ عام 2017م حينما صرفت وزارة الشؤون الاجتماعية برام الله ثلاث دفعات وامتنعت عن صرف الدفعة الرابعة، وفي أعوام 2018، و2019، و2020 صرفت دفعتين في كل عام، ولم تصرف أي دفعة خلال العام الجاري، ما راكم معاناة أهالي الشؤون.