قائمة الموقع

​"ملك" شمعة البيت المطفأة

2017-06-22T08:59:54+03:00

غاب طيفها عن البيت لرمضان الثاني على التوالي، بقي مقعدها على المائدة فارغًا، لم يعد صوتها الذي كان يشيع الفرح في البيت يسمع، لم تعد "ملك" تثقل والدتها بطلبها أن تعد لها المقلوبة يوميًّا في رمضان.

الأسر جعل غصة في قلب والدة الأسيرة ملك سلمان، التي تتجرع الألم في كل يوم تغيب فيه "ملك" عن البيت، فهي بكرها وساعدها اليمين، لم تكن مجرد ابنة بل كانت الصديقة لوالدتها، كانت الأم الحنون على إخوتها، كانت تدرسهم، وتحفظهم القرآن الكريم في رمضان.

أخذت الفرحة

فاتنة سلمان (37 عامًا) والدة "ملك" جاء صوتها "عبر الهاتف" مختنقًا بعبرات الحزن والألم، وهي تتحدث عن ذكرياتها مع فلذة كبدها في رمضان قبل أن يحرمها الاحتلال الإسرائيلي ابنتها التي حكم عليها بالسجن 10 سنوات.

قالت سلمان لـ"فلسطين": "اعتقلت ابنتي في 9/2/ 2016م، مضى على وجودها في الأسر سنة وأربعة أشهر"، هذا رمضان الثاني الذي لم تحضره ملك مع عائلتها، تركت فراغًا كبيرًا في البيت، كلٌّ يبكيها كل يوم في أثناء اجتماعهم على مائدة الإفطار.

وتابعت: "ملك بعد أسرها أخذت الحياة والفرحة معها، لم يعد لأيامي أي معنى دونها، ليس للحياة طعم في غيابها، رمضان أصومه للعبادة دون أن أشعر بحلاوته، حتى لقيمات الأكل تنزل ثقيلة على معدتي، أتجرعها مرغمة".

وأضافت سليمان: "اعتقلت ملك في الـ15 من عمرها والآن أصبحت سنها 17 عامًا، ابنتي قاصر، بأي قانون تسجن ابنتي وهي قاصر؟!، ابنتي مازالت طفلة وبحاجة لوجودي بجوارها، حكم عليها بعشر سنوات أسر لأنها مقدسية؛ فنحن _المقدسيين_ ندفع ضريبة وجودنا في القدس".

مقلوبة مقلوبة

الأطباق الرمضانية مهمة اختيارها متروكة لملك، فهي من كانت تقرر ماذا تفطر عائلتها في يومها الرمضاني، كانت ملك شمعة وشعلة البيت، كانت فراشة الفرح التي تحوم في البيت، كانت تخلق أجواء مميزة لأخواتها في رمضان، هي من كانت تعلم إخوتها قراءة القرآن وتجمعهم في حلقة لقراءة وردهم اليومي في رمضان.

"ملك" مميزة؛ فهي تمتلك ذوقًا رفيعًا في ترتيب السفرة، كانت تعد السحور لعائلتها، وترفض إيقاظ والدتها التي تفاجأ بفن ابنتها في ترتيب السفرة وهي صغيرة السن.

أكثر أكلة كانت تحبها "ملك" من يدي أمها ومازالت تحن إليها حتى الآن هي المقلوبة، لا تمل من أكل المقلوبة يوميًّا.

وتحدثت سلمان: "إخوتها يفتقدونها، وكلما طبخت أكلة تحبها ملك قالوا لي: "تتذكرين يا ماما كم كانت ملك تحب هذه الأكلة؟"، حينها أنظر إلى كرسيها الفارغ وتنهمر دموعي؛ فحرارة الاشتياق تشتعل في قلب، يأتيني هاجس بأن ملك تنادي علي في البيت، وتطلب مني المساعدة".

اليوم ملك خلف زنازين الأسر، يوم أول أمس كان موعد زيارتها في السجن، قالت والدتها: "حينما تحدثت إلى ملك أول ما قالته: "ماما اشتقت إلى المقلوبة، اشتقت إلى ورق العنب من صنع يديك"، فهي تعتمد كغيرها من الأسيرات القاصرات على المعلبات في الإفطار والسحور، لأنهن لا يجدن صنع الطعام".

مناشدة المسئولين

وأكملت سلمان: "أريد أن يصل صوتنا إلى المسئولين والفصائل بأن إضراب الأسرى الأخير جاء وبالًا على وضع الأسيرات داخل السجن، حيث أصبحت إدارة السجن تعاملهن بوحشية، ومنع الإفطار الجماعي بين الأقسام، وأصبح كل قسم يفطر وحده".

وتابعت: "وفصلت الأسيرات القاصرات عن باقي الأسيرات، وهذا فاقم من معاناتهن، لأنهن لا يجدن أعمال الطبخ، وأسعار (الكنتينا) مرتفعة جدًّا، فضوعفت الأسعار فيها بشكل جنوني، لا يستطيع أهالي الأسيرات المقدسيات تحمله، لاسيما أنهم لا يتلقون أي مساعدات مالية من السلطة مثل باقي أسر الأسيرات من الضفة الغربية".

ولا تتوقف معاناة الأسيرات القاصرات عند ذلك، فيتعمد وضع عدد كبير من الأسيرات في الغرفة الواحدة، فهناك ثماني أسيرات إضافة إلى ملك في الغرفة، حينما يردن جمعيهن أداء صلاة الفجر يستيقظن من الثانية فجرًا لكي يتمكن من الوضوء، ولا يستطعن أيضًا أداء الصلاة في جماعة، لأن المكان ضيق جدًّا.

وناشدت سلمان المسئولين والفصائل التحرك نحو تحرير الأسيرات، لأنهن يعشن في أوضاع معيشية مأسوية، مضيفة: "ابنتي دخلت السجن بوزن 53 كيلو جرام، والآن تناقص وزنها إلى 48 كيلو جرام، وإن إدارة السجن رفعت أسعار الأشغال اليدوية التي تطلب إدخالها الأسيرات كي يشغلن بها وقت فراغهن من 30 ألف شيكل إلى 40 ألف شيكل، وهذا مرهق لأهالي الأسيرات، لاسيما أهالي المقدسيات الذين لا يتلقون أي مساعدات مادية من أي جهة".

زيارة "ملك" في السجن تطفأ نار الشوق لدى "فاتنة"، ولكنها تجدد الأوجاع والآلام مجرد أن تدير "ملك" ظهرها لتعود أدراجها إلى زنزانتها، وتتساءل والداتها: "أين المسئولون؟!، أين النخوة؟!، كيف يسمحون بأن تسجن أسيرات مثل "الورد" ويعاملن بوحشية في السجن؟!، هذا يكفي، تحركوا"، ومع ذلك أملها يتجدد في صفقة تبادل أسرى جديدة.

أصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس المحتلة صباح الأربعاء 26 نيسان (أبريل) 2017م حكمًا على الأسيرة الطفلة ملك محمد يوسف سلمان (17 عامًا) من بلدة بيت صفافا، بالسجن الفعلي مدة ١٠ سنوات، بعد أن صدقت عليها تهمتي "الشروع في القتل، وحيازة سكين".

اخبار ذات صلة