التجرؤ الإسرائيلي على انتهاك حرمة الحرم الإبراهيمي على أعلى المستويات الرسمية والحكومية ليس وليد اليوم، بل هو نتاج مفاوضات السلطة مع الاحتلال التي قبلت بموجبها بسيادة الاحتلال على الحرم ومحيطه، لتتلو ذلك سلسلة من إجراءات "الأمر الواقع" الإسرائيلية لفرض سيطرة الاحتلال عليه، في محاولة لطرد المسلمين منه مرة وللأبد، يرافقها تجاهل السلطة التام لما يحدث هناك، كما يرى ناشطون من الخليل.
يشار إلى أن رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ سيشارك اليوم في افتتاح احتفالات ما يسمى عيد الأنوار "حانوكاه" اليهودي، بإضاءة الشمعة الأولى في الحرم الإبراهيمي.
وتعد خطوة هرتسوغ تأكيدًا إسرائيليًا على الاستيلاء على مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة إلى دولته المزعومة، خاصة أن ذلك يأتي بالتزامن مع إعلان حكومة الاحتلال التصديق على بناء 372 وحدة استيطانية جديدة داخل مستوطنة "كريات أربع".
وسبق خطوة الاحتلال الاستفزازية الشروع قبل أشهر بتنفيذ مشروع تهويدي على مساحة 300 متر مربع من ساحات المسجد الإبراهيمي ومرافقه، يشمل تركيب مصعد كهربائي، لتسهيل اقتحامات المستوطنين، وقد تم تخصيص 2 مليون شيقل لتمويله.
ويهدد المشروع الاستيطاني باستيلاء الاحتلال على مرافق تاريخية قرب المسجد الإبراهيمي وسحب صلاحية البناء والتخطيط من بلدية الخليل.
الغربة عن المدينة
الناشط أحمد جرادات رأى أن سعي الاحتلال الإسرائيلي لتهويد الحرم الإبراهيمي ليس بالأمر الجديد حيث يسيطر الاحتلال على 60% من مساحته منذ مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994م حيث تم تقسيمه لأول مرة في التاريخ.
وقال جرادات لصحيفة "فلسطين": "وتبع ذلك إجراءات إسرائيلية أخرى كمصادرة الحديقة التابعة له ، وبناء مجموعة من المستوطنات الإسرائيلية حوله والأهم من ذلك القيود الإسرائيلية التي تحول دون وصول الفلسطينيين له كالبوابات الحديدية".
ولفت إلى أن التهويد لا يقتصر على المستوطنين بل يشمل المستوى الرسمي حيث زار رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو مراراً الحرم وتحدث عن الرغبة في السيطرة عليه، لافتاً إلى أن الاحتلال يريد تهويد الحرم والبلدة القديمة بالكامل.
وعد جرادات أن ما ساعد الاحتلال في محاولات تهويده للحرم هو الاتفاق الموقع بينه وبين السلطة "المعروف ببروتوكول الخليل" الذي قسم المدينة إلى قسمين وجعل البلدة القديمة التي يقع فيها الحرم تحت سيادة الاحتلال الكاملة.
وأشار إلى أن سياسة الاحتلال تعتمد على سياسة فرض الأمر الواقع ثم ترسيم ما فُرض، "فمن يتحرك داخل البلدة القديمة يشعر أنه غريب في بلده، فالمحال والمرافق الفلسطينية مغلقة وحواجز الاحتلال منتشرة في كل مكان".
وبين جرادات أن أهل البلدة القديمة في الخليل تركوا وحدهم في حالة مواجهة مباشرة مع التهويد الإسرائيلي، مبدياً أسفه لكون السلطة الفلسطينية لا تأخذ ما يجري في الخليل على محمل الجد، أو أنه يستحق منها تحركاً يتمثل على الأقل في إلغاء الاتفاق الموقع بينها وبين الاحتلال بخصوص المدينة.
وهم المفاوضات
بدوره، اعتبر الناشط عيسى عمرو أن هذا الاقتحام يعد انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، ويعكس توجهاً رسمياً إسرائيلياً لدعم المستوطنين في أعيادهم في الخليل، وقال: "يجب حماية البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي في الخليل من التهويد".
ولفت إلى منظمة اليونيسكو تعتبر البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي معلما تاريخيا فلسطينيا خالصا بدون نزاع ووضعته على لائحة المعالم العالمية المهددة بالخطر، مشيراً إلى أن الاحتلال يمارس نظام الفصل العنصري في الخليل ويحاول تهويد البلدة القديمة فيها وطرد الفلسطينيين منها.
من جانبه، بين الناشط عثمان أبو صبحة أن الاحتلال ومستوطنيه يستولون على النسبة الأكبر من الحرم الإبراهيمي ولهم السيطرة الأمنية الكاملة على الحرم ومحيطه، ويتحكمون في عدد المصلين المسلمين وأوقات رفع الأذان ويخططون حالياً لتغيير شكل الحرم من خلال إضافة مصعد كهربائي وغيرها من المخططات.
واعتبر أن الحرم يعيش مأساة حقيقية كنتاج لمسيرة طويلة من التهويد الذي يمارسه الاحتلال بحق الحرم وأطماعه التي لا يخفيها فيه تحت مزاعم دينية، مبدياً أسفه للصمت العالمي والعربي بخصوص ما يحدث في الحرم.
وأعرب عن اعتقاده بأن الاحتلال يسير بخطوات متدرجة للسيطرة الكاملة على الحرم بأكمله، مشيراً إلى أن ما يحول دون مواجهة مخططات الاحتلال هو الفساد الذي ينخر هيكل السلطة الفلسطينية ويسبب الإحباط للمواطنين بالضفة.
ودعا لتحقيق الوحدة الفلسطينية والتوجه لمقاومة الاحتلال والكف عن الرهان على المجتمع الدولي والمفاوضات مع الاحتلال لأنها لن تحمي المقدسات ولن تعيد الحقوق، "فالحديث عن المفاوضات أشبع الفلسطينيين أوهاما ولا يسمن ولا يغني من جوع".