فلسطين أون لاين

في يومه العالمي

تقرير "صندوق العجائب" يفقد "التجمع الأسري" أمام عزلة الهواتف

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تحتفي الأمم المتحدة كل عام باليوم العالمي للتلفاز، الذي يوافق الـ(21) من تشرين الآخر (نوفمبر)، أحد الاختراعات الأكثر تأثيرًا في تاريخ البشرية منذ ظهوره، وإن لم يخسر "صندوق العجائب" موقعه في البيوت وحجز لنفسه ركنًا على جدرانها؛ فإن نسبة الاهتمام به حسب دراسة منشورة تؤكد تراجعه لمصلحة ثورة الإنترنت والهواتف الذكية التي بدأت تسحب البساط من الفضائيات وتقضم مشاهديها.

تقود هذه الثورة بالضرورة إلى سؤال الجيل الذي عاصر تطور الصورة التلفزيونية، فلا تزال الحاجة "أم ضياء" حميد التي بلغت ثلاثة وسبعين عامًا من عمرها تتذكر أول تلفاز أحضره والدها، عندما كانت تعيش بـ"مخيم الشاطئ"، ولم يزد عمرها آنذاك على خمس عشرة سنة في ستينيات القرن الماضي.

تقول: "كان التلفاز كبيرًا على شكل صندوق، كنا أول من اشتراه بالخيم، فوضعناه في غرفة الضيوف، وكنا نجتمع عليه ويأتي أبناء عمي والجيران لمشاهدة فيلم الجمعة".

ولم يكن يوم الجمعة اجتماعًا أسريًّا إذ كان يتجمع قبالة التلفاز أفراد مختلفون من الجيران، الذين وجدوا الشاشة التي تعرض أفلامًا أحادية اللون (الأبيض والأسود) مصدرهم الوحيد للأخبار والتسلية.

في صوتها حنين إلى تلك الأيام: "كنا كتير مبسوطين بهديك الأيام، الكل يقعد صامت، صغار وكبار نحضر الفيلم الأسبوعي، أو الرسوم الكرتونية عندما كانت في بدايتها".

تقفز من تلك الأيام لتتوقف عند حضور التلفاز في منزلها حاليًّا، وقد أكلت السنوات من عمرها، بضحكة مكسورة: "لا أشاهد التلفاز إلا لمعرفة الأخبار فقط وبعض المسلسلات، أما أبنائي فأغلب أوقاتهم يجلسون على (يوتيوب) يأخذون منه ما يريدون، ولكل واحد منهم عالم مختلف عن الآخر".

وتضيف بحنين إلى تلك الأيام: "قديمًا كان همنا الدراسة، لأن التعليم رأس مالنا، والتلفاز أعطانا نوعًا من التسلية والجمعة العائلية، أرى أن الحياة قديمًا كانت أفضل، كنا نجتمع بكل سعادة قبالة الشاشة، نأكل أيضًا ونعد الشطائر، الجميع يبدي رأيه بالمحتوى المعروض، الآن كلٌّ منعزل في عالمه عبر الهاتف، لا يرد عليك إلا عندما تقطع الكهرباء ويفصل الإنترنت".

وقت المتابعة أقل

أما إيناس عبد الغني فتقول: "إن التلفاز لا يزال حاضرًا في أي اجتماع عائلي أو أسري"، لكنها ترى أن الوقت الذي يتابع فيه التلفاز أقل من الوقت الذي يُمنح للشاشات الصغيرة المختلفة.

وتتابع: "كثير من البرامج المتلفزة تعرض على قنوات اليوتيوب وغيرها، لكن هناك فئات من كبار السن، وبعض الأهالي الحريصين على عدم تعويد أطفالهم استخدام الشاشات الصغيرة إذ يفضلون لهم مشاهدة التلفاز، أما فئة الشباب فربما هي الفئة الأكثر اتجاهًا لاستخدام الشاشات الصغيرة ووسائل التواصل المختلفة".

وعن نسبة مشاهدة عائلتها للتلفاز؛ توضح إيناس لصحيفة "فلسطين" أنها خصصت لأولادها وقتًا لمشاهدة قنوات الأطفال، مشيرة إلى أن الوقت الذي كانت تقضيه قبالة الشاشة الكبيرة أكثر من الذي تمضيه الآن: "كنا نتابع برامج مختلفة كالأخبار والمسلسلات، أما اليوم فنشاهد الأخبار عبر التلفاز حين يكون الحدث كبيرًا، ومعظم الوقت يخصص للأطفال".

وتعلق على التغيير الحاصل: "كل شيء كان زمان أجمل، اجتماع العائلة كلها لمشاهدة التلفاز يشعرك بجو العائلة، والحب والأمان، أذكر جلساتنا لنستمع لحكايات جدي وجدتي ووالدي، أما اليوم فيا للأسف نجلس معًا، ولكن كل واحد رأسه في هاتف، حاضر جسدًا فقط، أما فكره ففي عالم الهاتف الذي بين يديه، حتى أطفالنا قد يتركون اللعب لأجل الهاتف".

من أجمل المشاهد المحفورة في ذاكرتها عندما كانت تتابع مباريات كرة القدم مع إخوتها في بيت عائلتها: "كان جو مشاهدة المباريات على التلفاز والمنافسة والتعليق وتشجيع إخوتي للفرق المختلفة جميلًا جدًّا (...) كانت قعدة التلفاز جميلة، خاصة حينما نصعد إلى السطح لتحريك جهاز الإرسال (أنتينا) حتى تتضح القنوات".

تلفاز الشخص الواحد

المتخصصة في علم الاجتماع الدكتورة ختام أبو عودة ترى أن التلفاز بشاشته أصبح لا يتسع إلا لشخص واحد مسن، بجانب طفل صغير، يشاهد معه برامج أطفال ليلتهي معه ويستمتع معه بوقته ووحدته.

أما في اللوح الإلكتروني كما تقول لصحيفة "فلسطين" فأصبح لكلٍّ منا خصوصية وسرية نستمتع بهما وكأننا نملك كنزًا من الأموال لا أحد يشاركنا فيها، "بذلك فقدنا الفريق والعائلة وقصص زمان، الجد والجدة وذكريات الأكبر سنًّا، والحضن الأول للعائلة، بجلساتنا وضيافة الأهل والأحباب، في أثناء مشاهدة البرامج والمسلسلات الأسرية الجميلة".

في وقت تعزز فيه وسائل الإعلام اللغة الإلكترونية ترى أبو عودة أنها أفقدتنا العلاقات الاجتماعية والذكريات الجميلة المشتركة بالعائلة، فأصبحت ضيافة (باسوورد) "شبكة الإنترنت اللاسلكي" أهم أنواع الضيافة على الطاولة، لتكون مكتملة الأناقة خلال الزيارات العائلية.

الأمر الثاني هنا -تبعًا لكلامها- أن الأطفال فقدوا وجود العائلة والجلوس في حضن الأم والأب أو الإخوة ليستمعوا لأيام الزمن الجميل، بذلك فقد التلفاز خاصية التجمع الأسري، إذ أتت الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية لتحل معها خاصية التفرد والخصوصية المنفردة للشخص، فأصبحوا أكثر عزلة وأنانية وتفردًا.