استيقظ العالم صباح الثاني عشر من سبتمبر لعام 1993م على مشهد هو الأول من نوعه حينها، إذ تناقلت وسائل الإعلام العالمية صوراً تظهر ثلاثة من جنود الاحتلال مضرجين بدمائهم، وجيباً عسكرياً شبه مدمر، وقصاصة ورق تتبنى فيها كتائب القسام هذه العملية.
بطل هذا المشهد ومخرجه هو عماد عقل، منفذ أول عملية مصورة في تاريخ المقاومة الفلسطينية والمعروفة بعملية (مسجد مصعب بن عمير)، التي قُتل فيها ثلاثة جنود واستولى منفذها على قطعتي سلاح، وكانت بمثابة نقلة نوعية في العمل المقاوم؛ خاصة أنها حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
ويصادف اليوم الرابع والعشرون من نوفمبر ذكرى ااستشهاد القائد عماد عقل، ليستعيد المقاومون أمجاده وريادته للعمل الفردي المقاوم وقتْل جنود الاحتلال من مسافة صفر.
نشأة على المقاومة
ولد عماد حسين إبراهيم عقل في 19 من يونيو (حزيران) عام 1971م، في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، في ظروف جعلت همه الأول مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والرد على جرائمه.
التحق عماد عقل بصفوف كتائب القسام عام 1990م، ثم أصبح المسؤول عن التواصل بين قادة الكتائب ومجموعة الشهداء، وهي المجموعة الأولى لكتائب القسام في شمال قطاع غزة، وكان من أبرز ما نفذته مجموعة الشهداء العملية الجريئة والتي استهدفت فيها موكب قائد شرطة قطاع غزة الجنرال يوسيف آفنيبغد في مايو عام 1992م، إلى أن كُشفت المجموعة وطُورد جميع عناصرها بمن فيهم عماد.
لم يكن الاحتلال قد تجرع علقم عمليات إطلاق النار من مسافة قريبة جداً بعد، واعتقد أن عملية استهداف قائد الشرطة كانت محض صدفة، لكن الحقيقة أنها كانت انطلاقة لمرحلة جديدة من العمل العسكري عنوانها "مسافة الصفر".
قائد في الضفة
بعد رحلة من المطاردة قضاها عماد عقل متنقلاً بين محافظات قطاع غزة، وحفاظاً على إخوانه المطاردين برفقته؛ انتقل إلى الضفة المحتلة لتوفير الجهد في الحصول على ملجأ آمن لهم، والانطلاق في تكوين خلايا عسكرية تابعة لكتائب القسام.
لم يمضِ الكثير من الوقت حتى تولى عماد عقل مسؤولية قيادة كتائب القسام في مدينة الخليل، ليؤسس لمرحلة جديدة من العمل العسكري في الضفة المحتلة، مرسخاً أسلوب المهاجمة من مسافة الصفر.
في أكتوبر من عام 1992م، حدث ما لم يكن الاحتلال يتوقعه، حيث بزغ فجر كتائب القسام في الضفة المحتلة عندما أطلق عماد عقل النار على سيارة عسكرية في محافظة الخليل تقل ضابطة وثلاثة جنود أدت إلى إصابتهم جميعاً.
ولم تكد تنقضي أربعة أيام على هذه العملية حتى هاجم عقل ومجموعته معسكراً لجيش الاحتلال بالقرب من الحرم الإبراهيمي أمام مرأى ومسمع الجميع وفي وضح النهار؛ أدت إلى قتْل جندي وإصابة آخر بجراح خطيرة.
ترك القائد عماد عقل مدينة الخليل وتوجه مجدداً إلى غزة في نهاية نوفمبر من العام 1992م، ولم يلبث سوى أيام حتى نفذ سلسلة من العمليات فائقة الشجاعة والجرأة والتي أدت إلى قتْل وإصابة العشرات من جنود الاحتلال في قطاع غزة.
الجرأة التي امتلكها عماد عقل جعلت منه بطلاً يتغنى به الفلسطينيون، في حين غدا اسمه مادة شبة دائمة في الإعلام الإسرائيلي، وأصبح الشغل الشاغل لقادة الاحتلال من سياسيين وعسكريين.
وارتقى القائد
مضت سنتان من مطاردة مخابرات الاحتلال لشبح لم تُمسك بطرف خيطه بعد، بل أنها أفردت وحدات خاصة لمتابعته والبحث عنه، ووظفت العشرات من الضباط للعمل على حل هذا اللغز المعقد، حتى تمكنت من ذلك في الرابع والعشرين من نوفمبر عام 1993م، حيث رُصد القائد عماد عقل في منزل خنساء فلسطين أم نضال فرحات، وخاض اشتباكاً مع قوات الاحتلال التي حاصرت المنزل إلى أن ارتقى إلى العلياء شهيداً.
ورغم أنه لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، وأن مسيرته الجهادية لم تتعدَ سنوات ثلاث، إلا أنه استطاع تنفيذ العديد من العمليات النوعية التي أدت إلى قتْل ما يزيد عن خمسة عشر جندياً إسرائيلياً وإصابة العشرات، كما أن التاريخ خلده كأسطورة للعمل المقاوم الشجاع، والقتال من نقطة صفر.