فلسطين أون لاين

تقرير هوس الأمهات بالوظيفة.. تأثيرات شخصية تمتد إلى الأبناء

...
صورة تعبيرية
غزة/ هدى الدلو:

الوضع الاقتصادي الصعب هو من يدفع غالبية الأمهات في قطاع غزة إلى العمل، كذلك حال السيدة عزيزة سالم (50 عامًا) وهي أم لأحد عشر من الأبناء، لجأت إلى العمل في إحدى الجمعيات النسوية من أجل مساندة زوجها الذي بات عاطلًا عن العمل.

وترى أن عمل المرأة خارج منزلها هو لتأمين إعالة واستقرار مادي للأسرة يلبي احتياجات الأبناء، ولكن بعض السيدات اللواتي لديهن دخل آخر تسعى من ورائه إلى تحقيق الاستقلال المالي والعمل بشهادتها الجامعية.

تقول سالم لصحيفة "فلسطين" مستدركة: "ولكن نجد تعلق المرأة بعملها كثيرًا بسبب عملها فيه ساعات طويلة ومتأخرة، فلا أعدُّه هوسًا كما يراه البعض، إنما هو احتياج، لكن لا أخفي عليكم أن له تأثيرًا على حساب صحتها وشخصيتها وبيتها وأبنائها".

أما سماح حسين (34 عامًا)، فمن جهتها تعد عمل المرأة أمرًا مهمًّا وضروريًّا لشخصيتها وثقتها وشهادتها، رغم التأثيرات التي ستجنيها فيما بعد على حياتها الشخصية وعلى أبنائها.

وتوضح أن دوامها في إحدى المؤسسات الخاصة قد يزيد في بعض الأحيان على 7 ساعات في اليوم، وتترك أبنائها الثلاثة في الحضانة، لتعود إلى بيتها بجسد منهك وضعيف، ولكنها لا يمكن لها أن تستغني عن وظيفتها.

وتشير إلى أنها تصل إلى بيتها وطاقتها في أدنى مستوياتها، فلا تقوى على متابعة كل شؤون البيت ولعل أكثر ما يزعجها شعورها بفقدان السيطرة والقدرة على تعديل بعض سلوكيات أبنائها، مضيفة: "حتى على صعيد العلاقات الاجتماعية العائلية فإني أقتصر فيها على الدائرة الأولى فقط".

وفي تقرير نشره موقع "مامز" (Moms) الأميركي، تقول الكاتبة لينا ناصر: إن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية يمثل تحديًا صعبًا للعديد من العائلات، لأن "إدمان العمل" قد يدمر الصحة النفسية للأطفال.

وفي السياق ذاته، يتحدث الاختصاصي النفسي والاجتماعي زهير ملاخة بأن رغبة الزوجة في العمل وميولها نحوه إضافة إلى الرغبة في تحقيق دخل للأسرة سواء كان أساسيًا أو إضافيًا هو السبب وراء لجوء كثير من الأمهات إلى البحث الدائم على العمل وإشغال طاقتها الذهنية بذلك.

ويقول: "ومن ثم إذا حققت بعض الأمهات مرادهن بوظيفة ما فنجد البعض يشغلن كل طاقاتهن بالوظيفة على حساب نفسها وأسرتها وأولادها ومتطلبات حياتها الاجتماعية والعاطفية، وهناك تكمن المشكلة في النشاط الزائد داخل أوقات العمل وخارجه لصالح العمل على حياة الموظفة الشخصية والأسرية والاجتماعية".

ويضيف ملاخة: "هذا يدفعنا لمعرفة تأثير هذا الهوس على شخصية المرأة وعلاقاتها الأسرية والاجتماعية وعلى أطفالها، ومن ثم نجد النشاط المفرط يؤثر سلبًا في ظل غياب التخطيط الحياتي الشخصي، وغياب الفصل بين بيئة العمل والحياة الشخصية والأسرية والاجتماعية".

علاقات جافة

ومن سلبيات ذلك على الحياة الشخصية للأم العاملة، غياب اهتمامها بنفسها وجدانيًّا وصحيًّا، والانشغال عن متطلبات الأبناء النفسية والاجتماعية من جلسات أسرية يسودها الحب والعاطفة والترويح ومشاركة الاهتمامات بين أفراد الأسرة الواحدة، لمصلحة توزيع الوقت بين العمل وتلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة.

ويوضح ملاخة أنه إضافةً إلى ذلك فإن طغيان هذا التعلق بالعمل والانشغال به عن العلاقات الأسرية والاجتماعية يجعل العديد من السيدات أكثر جفاء، "وهذا كله قد ينتج عليه مشكلات ومؤثرات سلبية على الحياة الأسرية".

ويشير إلى أنه قد يؤدي إلى شعور الأبناء بالفراغ العاطفي وعدم الاكتفاء بالحب كالذي تضفيه الأجواء الأسرية وعلاقاتها، وهذا يؤثر في شخصية البعض ليميل تدريجيًّا للعزلة والوحدة والنمطية، أو التأثر بالغير واكتساب صفات قد تكون سيئة كالعدوان أو سلوكيات سيئة يتعرف إليها ويحاول إشغال نفسه بها تعويضًا عما يفقده في منزله.

ويتابع ملاخة حديثه: "قد تظهر بعض المشكلات السلوكية لدى الأطفال كضعف الشخصية بسبب إهمال أو جفاء والديه، ويؤدي به ذلك إلى التأثر بصحبة السوء أو القيام بتصرفات سلبية تعويضية".

حتى إنه على صعيد العلاقة الزوجية، إذا استمر الهوس والانشغال في الوظيفة بكل الأوقات، فسنجد أن السعادة الزوجية تذهب أدراج الرياح ليحل محلها الروتين والحياة النمطية والواجبات فقط، وربما تصبح الحياة مادية إدارية فقط، وفق ما تحدث ملاخة.

وينبه المرأة الموظفة على ضرورة التخطيط والفصل بين أوقات العمل والتحضير له، ومتطلبات الأسرة وعدم الإغفال عنها، وغرس مفاهيم المشاركة والتعاون والنهوض بالحياة بكل جوانبها المعيشية والاجتماعية والوجدانية بشكل متعاون وبمشاركة من الزوجين والأبناء، لتمضي الحياة بتوازن وتكافؤ وسعادة دون طغيان جانب على آخر ودون إفراط أو تفريط.