فلسطين أون لاين

بريطانيا تعلن حربًا على الفلسطينيين عنوانها حماس

ليس مشروع القانون البريطاني، وقرار الداخلية البريطانية، حظر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واعتبارها منظمة إرهابية، موجها إلى الحركة فحسب، بل هو كل ضد كل الفلسطينيين، ويقدّم حماية لجرائم إسرائيل، ويحاول إعطاء شرعية لعدوان إسرائيل المتكرّر على قطاع غزة، بل لكل الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني. ولذا من المهم فهم أبعاده وعدم الوقوع في فخ ردات فعل الانقسامات الفلسطينية الفصائلية أو الخلاف العقائدي مع "حماس"، سواء من منطلق علماني أو تحالفات اقليمية.

المسألة أكبر وأخطر من أي خلاف مع حركة حماس، فتجريم العمل المقاوم الفلسطيني، أيا كان شكله والجهة الموجهة له، هو ضربة لكل أشكال المقاومة، والأهم لحق الشعب الفلسطيني في استخدام الوسائل كافة في كفاحه التحرّري، والذي نص عليه بوضوح ميثاق الأمم المتحدة، وهي محاولة بريطانية رسمية للمساواة بين الجرائم الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية، فاليوم "حماس" وغدا كل الفصائل الفلسطينية التاريخية، بل الحركات المستقبلية.

لا ننتظر كثيرا من بريطانيا التي لم تتحمّل مسؤوليتها التاريخية عن تبعات إصدار وعد السير آرثر بلفور، عام 1917، قيادة الحركة الصهيونية "بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين"، بل حرصت على أن يكون مرجعية لقرار الانتداب البريطاني على فلسطين، الذي أصدرته هيئة الأمم، فلا نستطيع فصل وعد بلفور وسياسات الانتداب الاستعمارية في قمع رفض الفلسطينيين ومقاومتهم المشروع الاستيطاني الصهيوني الزاحف على قراهم ومدنهم وأراضيهم، والضرب بالحديد والنار لإطفاء جذوة ثورة عام 1936، من قتل المقاومين وتشنيعهم وسجنهم وتعذيبهم حمايةً للمشروع الاستيطاني الإحلالي.

لم نتوقع أن يهتز ضمير المؤسسة الرسمية البريطانية فجأة، خصوصًا في عهد حكومة يمينيين من حزب المحافظين، ولا نتوقع أن تعتذر عما جاء به جبروت الإمبراطورية لمّا أقدمت على خطيئة وعد بلفور، وليس متوقعا استعدادها لتعويض الشعب الفلسطيني عن تشريده وسلب أرضه ووطنه، والمطالبة باعتذار وتعويض مالي هو حق للشعب الفلسطيني يجب عدم التخلّي عنه، لكن ما يحدث هو إمعان في الجريمة بأشكال أخرى، لحماية الدولة الصهيونية من تطرّفها وجرائمها، ومن الملاحقة القانونية، ولو على المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد أهل قطاع غزة، بتبرير الحرب الوحشية أولا، ومعاقبة الضحية بدلا من القاتل ثانيًا.

نصّ القرار الذي أعلنته وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، على جعل خطر حركة حماس قضية أمن وطني وداخلي؛ فالكلام عن حماية اليهود داخل بريطانيا تحريض مباشر ضد الفلسطينيين في بريطانيا، فالبريطاني لن يفرّق بين أعضاء "حماس" أو "فتح" أو أي حركة أخرى، بل هو تحريض غير مباشر ضد حركات التضامن مع الفلسطينيين ومقاطعة إسرائيل (بي دي إس) وأعضائها من جميع الجنسيات، بمن فيهم البريطانيون، ومحاولة واضحة لترهيب البريطانيين من الانضمام للحركات المؤيدة للفلسطينيين والمناوئة لإسرائيل، وبالتالي، وقف تمدّدها في الجامعات والمؤسسات والمجتمع البريطاني. إذ ليس من قبيل المصادفة أن قرار الوزيرة جاء بعد أيام من احتجاج طلابي ضد السفيرة الإسرائيلية، تسيبي حوتوفيلي، لدى خروجها من مدرسة لندن للاقتصاد، وهي جامعة بريطانية رفيعة المستوى، واتهام حكومتها بممارسة الأبارتهايد (الفصل العنصري) وترديد شعارات مساندة للفلسطينيين. ليلتها أعلنت الوزيرة البريطانية عن "اشمئزازها" من المشهد، واتهمت المظاهرة "بالعداء للسامية"، وهي تهمة جاهزة لشيطنة كل من ينتقد إسرائيل، على الرغم من أنه لا علاقة لهذا المصطلح بجذور القضية الفلسطينية أو بنضال الشعب الفلسطيني، بل تمت صياغته في أوروبا، واستعمل لتبرير العداء للمجازر والمحرقة النازية ضد اليهود "باعتبارهم عرقا متدنيا لا يرقى إلى صفاء العرق الآري الأبيض"، ولذا لا مكان لهم في أوروبا. وقد استُعملت التهمة كثيرا خلال هبّة أيار الفلسطينية. وللأسف، استعملته أيضا شخصيات تقول إنها تؤيد الشعب الفلسطيني، لكنها على استعداد لرمي التهمة في وجه أي شخصية أو قوى شجاعة تسمّي الدولة الصهيونية وجرائمها بأسمائها الحقيقية، قوة استيطانية عنصرية إحلالية. وتم توظيف مصطلح "معاداة السامية" لمحاربة رئيس حزب العمال السابق، جيريمي كوربن، لأنه مثّل سابقة بين رؤساء الحزب بالتزامه دعم حقوق المضطهدين والشعوب المستغلّة، بل أصبح هو نفسه مكافحا ضد السياسات البريطانية، وتواطؤ المؤسسة الرسمية مع إسرائيل.

هنا، لا بد من التشديد على أنه لا يمكن الفصل بين القرار البريطاني ضد حركة حماس ونجاحات حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني، وبالأخص حركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس) في إجبار شركات وجامعات على سحب استثماراتها داخل إسرائيل، ومقاطعة مؤسسات إسرائيلية، ولا يمكن الفصل بين القرار وإنجازات هبة أيار ونجاح الفلسطينيين، في كل مكان، ولكن على أرض فلسطين بشكل خاص، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لفضح جوهر الإجراءات الإسرائيلية من تهجير قسري، باعتباره جزءا من عملية تهويد القدس واقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، ونجاح الفلسطينيين في غزة، بتأييد فئات واسعة وجديدة في الغرب، بل في العالم. ولكننا شهدنا، خلال هبّة أيار، محاولاتٍ لتحميل المقاومة الفلسطينية المسلحة (سيما حركة حماس) المسؤولية عن سقوط ضحايا الغارات الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، ومحاولات لنسج قصص وهمية عن مبرّرات قصف الأبراج السكنية والمكاتب الإعلامية في غزّة، لوضع اللوم على "حماس" والفصائل الفلسطينية في القطاع، وتحميلها مسؤولية التدمير الإسرائيلي للعمارات السكنية وقتل الأطفال. ولم تكن تلك المحاولات مجرّد تكتيك إعلامي لمواجهة الإدانات ضد إسرائيل، بل لتمييع أي قضية رفعها ويرفعها الفلسطينيون ضد إسرائيل لدى محكمة الجنايات الدولية، إضافة إلى تعميق الشقّ بين الفلسطينيين.

لا بد من إشارة إلى موقف ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في بريطانيا، حسام زملاط، الذي يرفض الانزلاق في أي محاضرة أو مقابلة تلفزيونية عن موضوع إدانة حماس، بل يركز بمهارة على الجرائم الإسرائيلية. وهذا واجبه، لكننا وصلنا إلى مرحلةٍ أصبحنا نرى الموقف الوطني الشجاع من مسؤول فلسطيني ظاهرةً نتوقف عندها، مقارنة بتخاذل معظم المسؤولين الفلسطينيين. ولأن موقف زملاط خلال هبة أيار كان مهمّا، بل ساهم في صد محاولات شيطنة المقاومة الفلسطينية إعلاميا وسياسيا في بريطانيا، ونتوقع موقفا مماثلا منه الآن. المهم أن تستوعب منظمة التحرير والسلطة الوطنية خطر القرار البريطاني وأبعاده. كما أن من المهم موقف المثقفين العرب والفلسطينيين، سيما ممن يختلفون مع "حماس"، فليس من مجال حاليا لضيق أفق أو مصالح فئوية، بل المطلوب مواقف واضحة من الجميع. ويجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة لم تلغ قانون اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية إرهابية، على الرغم من اتفاقية أوسلو وكل الاتفاقيات، وتستطيع تفعيل القانون متى تريد وكيفما تريد. ولا ننسى أن إسرائيل وأميركا منهمكتان في تجريم الشعب الفلسطيني، من خلال الضغط على السلطة لوقف رواتب الأسرى وأسر الشهداء، وتجريم المنظمات الحقوقية الفلسطينية، فالقرار البريطاني يستهدف كل الفلسطينيين، وإذ لم نعِ ذلك خسرنا معركة مهمة.

 

المصدر / العربي الجديد