فلسطين أون لاين

شذا.. تعطلت عن العمل فاستنجدت بـ"نحلة"

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

في وقت كانت تكبلها المخاوف وهي تستعد لنشر منشورها الأول للإعلان عن مشروعها، حبستْ أنفاسها.. كان إيقاع الفرح أيضًا يقرع طبوله بداخلها كمن يفتتح محلاً جديدًا، فثقتها بنفسها كانت أكبر من أن يهدم الخوفُ طموحها، حتى صدق حدسها، فلم تمضِ ساعات حتى باعت أول كأسٍ نشرته.

بدايةٌ استبشرت بها خيرًا، وسرعان ما طورت رسوماتها وتنوعت حتى استحدثت فن رسم البورتريه على كؤوس القهوة والشاي.

شذا زيارة (24 عامًا) تسكن بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، خريجة إدارة أعمال باللغة الإنجليزية من جامعة الأزهر، وأمام صعوبة إيجاد فرصة عمل في غزة، استنجدت بموهبتها وشغفها بالرسم لتحول الكؤوس البيضاء والشفافة للوحات فنية تنطق جمالاً، ترسم البورتريه ورسومًا كرتونية، وحيوانات، وطيورا، وورودا، رسمت الشمس، والقمر، وكل شيءٍ مبهج، يقربُ القلوب على كأس المحبة.

"نحلة" هو اسم مشروع شذا، فهي تجد تشابهًا بين شخصيتها وحيوية النحل في العمل، يجذبها لونها الأصفر "وهو أيضًا لون الشمس التي تداعب وجوهنا كل يومٍ وتقول لنا لا يوجد شيء ليوقف نجاحنا"، وهذا ما جعلها تعطي مساحة خاصة للون الأصفر في رسوماتها.

لم تضع شذا -التي تعطلت عن وظيفة حصلت عليها بتخصصها- الرسم على رفٍ هامشي، بل جعلته جزءًا أساسيًا من حياتها.

تقول: "بدأت بالرسم على فنجان القهوة، وليس سهلا الرسم عليه وإنجاز شيء جميل، تشعر أنه صديق للإنسان عندما تحتسي مشروبك وأنت تتأمل وتخطط لإنجازك اليومي، تشعر بأن القطعة المهداة إليك مهمة".

ليس استثمارًا

وتضيف: "الأمرُ ليس هينًا؛ هدفي أن أُشعر الناس كم أنا شغوفة بالرسم، لا أعده استثمارًا وإنما وسيلة لتطوير موهبتي". لأجل ذلك تجلس شذا ساعات طويلة على مكتبها تمتنع عن الأكل، تغلق على نفسها تطلب من عائلتها عدم "المناداة عليها" قبل أن تنهض وقد أتمت العمل الذي بين يديها في جلسة واحدة، إذ تدرك أنها قد لا تعود للرسمة بالشغف نفسه إن تركتها.

تطل شذا على متابعيها على موقع "انستغرام" بأشكال متنوعة من الرسومات، بما في ذلك وجوه الأشخاص فيما يعرف بفن "البورتريه".

ويأخذ خروج الرسمة إلى المتابعين مراحل طويلة من العمل المتعب، تنقل شذا جانبا من صعوبتها، "تأخذ القطعة الواحدة ساعتين لإنجازها، أما رسم الشخصيات فهو الأصعب ففي البداية أحول ملامحها إلى ملامح كرتونية ثم أبدأ برسم ملامح الوجه بدقة كبيرة لأن أي خطأ يغير الملامح، ورسم البورتريه مرهق يستغرق أربع ساعات من العمل المتواصل".

تستخدم شذا ألوانًا يجب تركها نحو 24 ساعة لتجف تمامًا، ثم يوضع عليها المثبت. وأمام طول مدة الانتظار تضع الكأس بعد الانتهاء من الرسم في فرن على درجة حرارة منخفضة لتقليل الوقت الذي يحتاج إليه اللون ليجف، مشيرة إلى أن التفاصيل الصغيرة التي تبحر فيها بعد انتهاء الرسمة الأساسية تأخذ منها وقتا إضافيا إذ تحرص فيها على وضع بصمتها.

شذا التي رسمت على القماش والورق تطمح لتجميع كل أعمالها الفنية والسابقة في معرض فني، ليضع لها "نحلة" سلمًا يقربها من حلمها.

المعرض الأول

في أكتوبر الماضي وجدت نفسها مضطرة لتحدي الزمن حينما كانت تستعد للمشاركة بمعرض لأول مرة وقامت إدارته بتقديم موعد الانطلاقة، تقول: "كان أمامي عشرة أيام، وأريد إثبات نفسي في المعرض الذي نظم في منتصف الشهر الماضي، علما أن مشروعي انطلق بداية العام الجاري".

تضيف بعفوية غلبت صوتها: "نزلت السوق وجهزت الأغراض، صراحة عشرة أيام ما كنت أنام الليل.. زي اللي بدرس ليوم الامتحان".

على مكتبها كانت ترسم، بينما ترص الكؤوس المنتجة على مكتب آخر، في اليوم الأخير انتهت من الرسم على 80 كأسًا تحدت فيه نفسها وهزمت الزمن، فجنت ثمار ما حصدت إذ باعت نصف الكمية المنتجة، وهذا يعد بالنسبة لها إنجازًا مهمًا وضعها درجة أخرى على السلم.

على الرغم من وجود طباعة جاهزة على الزجاج والبورسلان، فإن شذا ترى أن الرسم "له قيمة أكثر من المطبوع، لأنك تحول فكرة في خيال الزبون إلى رسمة على كأس فيهديها لمن يحبه، ومن ثم تصبح هدية لها قيمة ومعنى".