لأن الفنان هو رسالة ووسيلة توصل صوت الشعوب وقضاياه إلى العالم، اجتهد المخرج الفلسطيني أحمد منصور في ذلك، لكشف حقيقة الإسرائيليين الذين يتخذون من مزاعم "الهولوكوست" وسيلة لاستعطاف العالم، وفي الحقيقة هي ذريعة لإبادة الشعب الفلسطيني.
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أقام المخرج منصور معرضا بعنوان "مواجهة غزة"، يبين أن فكرته تكمن في تجميع أرشيف من الصور التي نشرها المواطنون الفلسطينيون في غزة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ومن قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب العدوانية على القطاع في عام ٢٠١٤، "ومن ثم عملت على قصقصتها وتركيبها مع بعضها البعض لإبراز حقيقة جديدة ألا وهي إحضار الجاني لمسرح الجريمة".
ويوضح منصور لـ"فلسطين" أن الفنان مصطفى ويستون هو الذي جمع الأرشيف، والذي يقدر بحوالي عشرات الآلاف من الصور الفيسبوكية.
وعن الطريقة التي اتبعاها في قصقصة وتركيب الصور، يشير إلى أنهما استخدما طريقة تسمى "الكولاج" وهي طريقة فنية استخدمت في ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى، حيث أرسلت أمهات الجنود هذا النوع من الصور لأبنائهن، وهم على خط المواجهة ليبرزوا لهم حقيقة الطبقة الأرستقراطية، وكيف تعيش في نعيم على حساب الجنود الفقراء الذي يحاربون لكي ينعم الأغنياء في المجتمع الألماني.
وعن الرسالة التي يهدف إلى إيصالها من خلال المعرض، يشير إلى أن المعرض فيه أكثر من رسالة وهي تحميل الأمريكي المسئولية، فأموال الضرائب التي يدفعها الشعب الأمريكي تستخدم في صناعة الأسلحة التي يستخدمها الاحتلال في إبادته للشعب الفلسطيني.
وأقيم المعرض في المتحف الفلسطيني في العاصمة واشنطن، والذي أسسه قبل عامين الفلسطيني بشارة ناصر من مدينة بيت لحم.
وكشف منصور أنه سيعيد إقامة المعرض في شهر مارس من العام القادم، وتوسعته بإدخال صور جديدة، وزيادة عدد المدعوين.
ويطمح أن يكون جسرًا للحقيقة بإظهار حقيقة أطفال فلسطين وغزة على وجه الخصوص، وإيصال رسالة شعبه لكل العالم، وكذلك إنشاء حركة شبابية لأبناء فلسطين في المنفى لتكون القدس محور حواراتها.
"بروكلين إن شاء الله"
ولطالما حلم منصور (29 عاما) ابن مخيم المغازي وسط قطاع غزة، أن يصل إلى العالمية، ويعيش حقيقة هذا الحلم حيث تجوب أفلامه مدن العالم، ولا يزال على ناصية الحلم يقاتل من أجل أن يكون جسرًا للحقيقة لإيصال رسالة شعبه لكل العالم.
قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة، نظم معرضًا فنيًا بعنوان: "رسالة سلام" في أروقة جامعة غزة التي يحمل منها شهادة البكالوريوس في الترجمة، في حين حصل على شهادة الماجستير في الإعلام وصناعة الأفلام من جامعة نيويورك عام ٢٠١٨.
وأسس منصور شركة للأفلام باسم "فليستيا أفلام" تعنى بصناعة أفلام تروي قصة الإنسان الفلسطيني بكل تفاصيله وتعقيداته، وقد أخرج أول فيلم بعنوان "بروكلين إن شاء الله" عام ٢٠١٩، الذي حاز العديد من الجوائز في مهرجانات سينمائية.
وتدور أحداث الفيلم حول أول رجل عربي فلسطيني رشح نفسه لانتخابات مجلس مدينة نيويورك وكيف قوبل بكل أنواع العنصرية لكونه يعرف نفسه فلسطينيًّا.
وقبل بضعة أشهر من هذا العام، اشترت أكبر قناة أمريكية (PBS)، الفيلم وستعرضه على أكثر من ١٧٥ قناة محلية في الولايات الخمسين، بدء من ١٤ ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
تطوير الوعي الفني
وعن رأيه في عرض نتفليكس أفلاما فلسطينية لأول مرة، يجيب: "عرض الأفلام في هذا الوقت تقدير إلهي في الوقت المناسب، لما للفيلم من قوة تأثير في تغيير وجهة نظر أي شخص بالنسبة لأي قضية، فقبل أن تحتل الأرض احتل العقل، وفيها تهيئة العقل العالمي".
وفي خطوة صنفت بأنها الأولى من نوعها أطلقت منصة نتفليكس، مؤخرًا، مجموعة (قصص فلسطينية) التي تعرض 32 فيلما لبعض أفضل صانعي الأفلام في العالم العربي وتتفق جميعها في أنها تدور حول فلسطين وقصص أبنائها.
وتضم المجموعة أفلامًا حائزة على جوائز وأخرى مرشحة، وكان لها أثر في السينما الفلسطينية.
ويتابع منصور: "هناك 207 ملايين مستخدمين لنتفليكس معظمهم يتركزون في الولايات المتحدة وكندا، وأمريكا هي الإمبراطورية الداعمة للاحتلال، درست في الجامعة 20 فيلما لمخرجين فلسطينيين كصلاح البكري، وأنامير جاسم وغيرهما، وهؤلاء مهدوا الطريق للجيل الثاني من صناع الأفلام".
ويكمل: "في أثناء افتتاحي لمعرض مواجهة قلت لو أن الجمهور الأمريكي شاهد تلك الأفلام، سيغير وجهة نظره تجاه (إسرائيل)، ثم يأتي دورنا بتطوير وعي كامل بالنسبة للحق الفلسطيني ومن ثم التحرير".
الرسالة الفنية الفلسطينية
وينبه منصور إلى أن تطوير الرسالة الفنية الفلسطينية يتم بدمج القضية الفلسطينية مع قضايا المظلومين في العالم، وربط بالأعمال الفلسطينية برسائل المظلومين الآخرين، وهكذا تكتمل اللوحة، وبها يتم دعم القضية الفلسطينية.
ويشدد على أن المطلوب من الفنان سواء صانع الفيلم أو كاتب السيناريو أن يكون أمينًا على الرسالة، وأن يكون خير ممثل لفلسطين، وأن تكون القصة التي يعرضها حقيقة مجردة، وألا يكونوا عاطفيين في طبيعة القصص التي يكتبونها، أو أن يرى الناس أنفسهم من خلال حبكة الفيلم.