فلسطين أون لاين

عائلة الجعبري ترفع الستار لـ"فلسطين" عن حياة "أبو محمد" الإنسان

...
ابنة القيادي الشهيد أحمد الجعبري (أرشيف)
غزة/ نور الدين صالح:

حينما يُذكر اسم الشهيد أحمد الجعبري نائب القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، سرعان ما يشرد ذهن المواطنين نحو المقاومة والصلابة والقوة، كما جرت العادة، لكونه مهندس صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011.

لكن ليست هذه فقط هي صفات "الجعبري" كما عُرف بين الناس، فمن اقترب منه في حياته يعرف صفات أخرى كثيرة امتاز بها، فعلى الرغم من انشغاله الكبير والوضع الأمني الخطير الذي كان يعيشه، فإنه لم يُهمل يوماً حياته الاجتماعية والتواصل المستمر مع جميع أفراد عائلته، وتقديم الدعم والمساعدة لكل من طرق باب بيته.

في الذكرى التاسعة لاستشهاده تفتح صحيفة "فلسطين"، صفحات حياة "الجعبري" الاجتماعية وأبرز المواقف الإنسانية التي خاضها في مساعدة المواطنين والفقراء، وما زالوا يعيشون آثارها حتى هذا اليوم، عبر الحديث مع زوجته إيمان حسين (أم حسين) البالغة من العمر (37 عاماً).

حين تقدّم الجعبري إلى خطبة "أم حسين" من عائلتها لم تتردد لحظة واحدة في الموافقة على الزواج منه، وذلك في عام 2005، حسب ما تروي، إذ وافق تاريخ ارتباطهما التاسع والعشرين من سبتمبر/ أيلول من العام ذاته، التي جاءت بعد أيام من اندحار الاحتلال عن قطاع غزة بالكامل.

"قصة زواجنا تحمل ذكرى حلوة جداً، حيث كانت هناك فرحتان: الأولى الزواج، والثانية الاندحار (..) كان زواجاً موفقاً ومباركاً، حتى الأيام المُرّة فيه كانت حلوة"، بهذه الكلمات تحكي "أم حسين" عن زواجها من "الجعبري".

مرّت تلك الأيام بينهما، حتى أنجبت 5 أفراد، أكبرهم "حسين" في الخامسة عشرة من عمره، وأصغرهم "دانيا" التي وُلدت بعد استشهاد "الجعبري" بشهرين، إذ أبصرت نور الحياة دون أن تعرف والدها.

تزوج الجعبري للمرة الأولى عام 1980، وأنجب من زوجته الأولى 6 أبناء وبنتين، واستشهد نجله الأكبر (محمد) وتوفي (مالك)، وفي عام 2005 تزوج الزوجة الثانية وأنجب منها 4 أبناء وبنتا.

وعند سؤالها: كيف كان يقضي "أبو محمد" حياته الاجتماعية، أخذت تقلب "أم حسين" كتاب ذكرياتها الذي ما زال يمتلئ حتى بعد مرور 9 أعوام على استشهاده: "كان محباً للخير، لا يطرد من طرق بيته، يساند المقبلين على الزواج والأسر الفقيرة".

وتُكمل: "كان يحب الأطفال كثيراً لذلك لم يبخل عليهم بتخصيص أوقات للتنزه معهم خارج المنزل، والترفيه واللعب، وشراء الهدايا لهم باستمرار".

لجنة اجتماعية

تحكي "أم حسين" أنه رغم الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها "أبو محمد" وعدم مكوثه ببيت العائلة طويلاً، فإنه لم يصد أي مواطن جاء طالباً للمساعدة. إذ إنها تصف بيتهم بأنه أشبه بـ "لجنة اجتماعية" للفقراء والمعوزين.

كان "الجعبري" يولي اهتماماً كبيراً بالشباب المتزوجين والذين يحتاجون إلى عمليات زراعة أطفال أنابيب بهدف الإنجاب ولا يقدرون على دفع تكاليفها، كما تقصّ أم حسين، حتى وصل الأمر به لإبرام تعاقد مع جمعية مختصة بأطفال الأنابيب.

وتُكمل: "كل شخص كان يحتاج إلى عمليات زراعة، يوجهه إلى تلك الجمعية، لإجراء العمليات وعمل كل الفحوصات مجاناً، بمجرد أن يقول للقائمين على الجمعية: (أنا من طرف أبو محمد)".

واستفاد من هذه الجمعية عشرات الشبان غير القادرين على دفع تكاليف عمليات الإنجاب، حسب قولها.

قصة أخرى، كانت لمريض يعاني آلاما شديدة في الظهر، أقرّ له الأطباء إجراء عملية جراحية، لكنه لم يقدر على دفع تكلفتها، فتوجه إلى "أبو محمد"، وكان له ما أراد، وتكفل أيضا بدفع تكاليف العلاج، وليس هنا فحسب، بل اشترى له "فرشة طبية" تناسب وضعه الصحي بعد العملية.

وتوضح أن كل هذه المساعدات التي قدّمها زوجها "أبو محمد" كانت طي السر والكتمان، فلم يُخبرها ولو مرة واحدة بحجم الأموال التي دفعها في سبيل مساعدة كل من "طرق باب بيته".

حكاية جديدة عرفت "أم حسين" تفاصيلها بعد استشهاد زوجها، إذ إنه ذات يوم بعدما أنهى "أبو محمد" صلاته في مسجد الكتيبة بمنطقة تل الهوا، وجد شابة في مُقتبل عمرها ومعها أطفالها تجلس قرب باب المسجد تبيع بعض الأغراض البسيطة لإعالة أسرتها، وفق قولها.

وتتابع أنه "لم يتحمل ذلك المشهد، فأرسل أحد مرافقيه لها، ليشتري كل الأغراض التي بحوزتها، ثم بعد ذلك تعرّف إلى تفاصيل تلك الفتاة وظروف عائلتها حيث تقطن في المنطقة الوسطى".

وأخذ "أبو محمد" على عاتقه دفع إيجار بيتها وشراء ملابس لجميع أطفالها، إضافة إلى دفع مصروف شهري لها بشكل ثابت دون علم الفتاة بمصدر المتبرع، تقول "أم حسين".

بعدما استشهد "أبو محمد" انقطع المصروف عن تلك الفتاة، حينها عرفت أنه المصدر الداعم لها، وبعد مرور الوقت رأت الفتاة "أبو محمد" في منامها، وهو يقول لها "أنا كنت أساعدك، ولن ننقطع، فعليكِ التوجه لشقيقي من أجل إكمال مساعدتك".

رواية أخرى تقص أحداثها "أم حسين"، فحين كان "أبو محمد" جالساً على شاطئ البحر، إذ بشاب يبيع "سجائر" فنادى عليه، يطلب الامتناع عن هذا الأمر، مقابل إعطائه مبلغًا من المال لافتتاح مشروع آخر، يجلب له المال الحلال.

هذا "غيض من فيض" من حكايا "أبو محمد الجعبري" مع كل من طلب منه المساعدة والعون، إضافة إلى المساهمة في زواج الشباب وتلبية احتياجات كثيرة لهم.

هكذا هم الشرفاء الأنقياء يرحلون بأجسادهم لكن أعمالهم وذكراهم تبقى محفورة في أذهان الناس، خاصة من استفادوا من تلك المساهمات والمساعدات