لم يترك قائد أركان المقاومة في قطاع غزة، الشهيد أحمد الجعبري، طريقًا لإنهاء معاناة الأسرى القابعين في ظلمات السجون إلا سلكه، فهندس وخطط لصفقة "وفاء الأحرار" التي أفرج فيها الاحتلال الإسرائيلي عن 1027 أسيرًا في أكتوبر عام 2011، ونجح من خلالها في رسم معالم الطريق لتحرير الأسرى.
وباتت تجربة الشهيد الجعبري في خوض صولات وجولات من المفاوضات الشاقة على مدار خمس سنوات، بعد أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، تُدرَّس في مدارس المقاومة، من أجل إنهاء معاناة من أفنوا زهرات شبابهم في الأسر.
طريق الحرية
ويؤكد ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية، ياسر مزهر، أن الشهيد الجعبري رسم الطريق أمام فصائل المقاومة من أجل تحرير الأسرى ومبادلتهم بجنود الاحتلال بعد أسرهم.
ويقول مزهر لصحيفة" فلسطين": إن الشهيد الجعبري قدم دورسًا للمقاومة من بعده، بإخفائه الجندي الإسرائيلي "شاليط" خمسة أعوام، على الرغم من التكنولوجيا والإمكانيات والوسائل المتطورة التي يمتلكها الاحتلال.
ويضيف: "حنكة الجعبري مكنته من الاحتفاظ بـ"شاليط"، والإمساك بزمام المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال، حتى نجح في إبرام صفقة "وفاء الأحرار" التي مهدت الطريق جيدًا لعقد صفقات تبادل جديدة تبرمها المقاومة".
ويشير إلى أن الشهيد وحد أبناء الشعب الفلسطيني لتأييد المقاومة من خلال الإيفاء بوعدها بتحرير الأسرى، وما شملته الصفقة من الإفراج عن أسرى من جميع الفصائل بالرغم من محاولات الاحتلال منع إطلاق سراحهم، لافتًا إلى أن الجعبري كسر عنجهية الاحتلال وفرض شروطه كي تفتح أبواب الزنازين لحرية الأسرى.
وحث مزهر الفصائل على مواصلة السير على نهج الشهيد الجعبري، وإبرام صفقة تبادل جديدة أسوة بـ"وفاء أحرار" كي تنهي معاناة الأسرى القدامى والمرضى، والنساء والأطفال والقادة، مؤكدًا "أننا أمام صفقة تبادل مشرفة ستبيض من خلالها المقاومة سجون الاحتلال".
خارطة طريق
من جانبه يقول المتحدث باسم مركز "حنظلة" لشؤون الأسرى والمحررين، علي الصرفيتي، إن الشهيد الجعبري وضع قضية الأسرى في مكانها الصحيح بعمله المستمر ووعده للأسرى بتحريرهم، ونجح في إبرام صفقة "وفاء الأحرار".
ويضيف الصرفيتي لصحيفة "فلسطين": أفنى الجعبري حياته لأجل الأسرى، وكان وعده بتحريرهم قولًا وفعلاً، وكان اغتياله لاحقًا ثمنًا لذلك، لافتًا إلى أن "أبو محمد" أفشل جميع محاولات الاحتلال للوصول إلى الجندي "شاليط"، طوال سنوات أسره.
ويشير إلى أن إحياء ذكرى استشهاد مهندس "وفاء الأحرار" رسالة من المقاومة وكتائب القسام بمواصلة العمل من أجل تحرير جميع الأسرى من خلف القضبان، مؤكدًا أن ما تمتلكه المقاومة من جنود هو خير دليل على مواصلة طريق الجعبري، من أجل إنهاء معاناة الأسرى.
ويؤكد أن صفقة "وفاء الأحرار" التي هندسها الشهيد القائد "أبو محمد" رسمت خارطة الطريق لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال رغمًا عن أنفه.
إنجاز وطني
وفي السياق، قال مسؤول ملف الأسرى في الجبهة الديمقراطية، إبراهيم منصور، إن الجعبري، حقق إنجازا وطنيا بإبرام صفقة "وفاء الأحرار"، وأكد أن إطلاق سراح الأسرى لن يتم إلا من خلال أسر جنود الاحتلال.
ويضيف منصور لصحيفة "فلسطين": إن أسر شاليط والاحتفاظ به بعيدًا عن أعين الاحتلال وإبرام صفقة تبادل إنجاز وطني كبير في ظل سيطرة الاحتلال على الأرض والجو والبحر وتشديد الحصار على قطاع غزة، وشن اعتداءات إسرائيلية متكررة للعثور على الجندي الإسرائيلي، لكن دون جدوى؛ لخبرة وحنكة الجعبري.
وتابع: "لم يهتم الجعبري بحياته، فكان همه وشغله الشاغل الاحتفاظ بشاليط، وإطلاق سراح الأسرى، على الرغم من أنه كان يعلم أن هذا الطريق سيوصله إلى الشهادة".
ولفت إلى أن الجعبري بات أيقونة نضالية ومدرسة تدرس في عمليات أسر الجنود والاحتفاظ بهم، وقيادة مفاوضات شاقة وصعبة مع الاحتلال تؤدي في نهايتها للرضوخ لمطالب المقاومة.
وشدد منصور على أن ما سجله الشهيد الجعبري هو درس للجميع للعمل على تحرير الأسرى بالرغم من شح الإمكانيات، وللتأكيد أن المقاومة هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة.
وأكد أن صفقة "وفاء الأحرار" مهدت الطريق للعمل طوال السنوات الماضية لأسر جنود الاحتلال لتتم مبادلتهم بالأسرى، وقد نجحت في ذلك، مرجعًا الفضل للقائد الجعبري الذي فتح شهية المقاومة لتنفيذ عمليات أسر مستمرة.
وفي مساء يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، أقدمت طائرات الاحتلال على اغتيال القائد الجعبري في أثناء مروره بسيارته في أحد شوارع مدينة غزة، ما أدى لاستشهاده ومرافقه الشخصي محمد الهمص.