مساء الرابع عشر من نوفمبر عام 2012م أقدم الاحتلال على اغتيال قائد أركان المقاومة ونائب القائد العام لكتائب القسام أحمد الجعبري بقصف سيارته وسط مدينة غزة، ليفتح أبواب الجحيم على نفسه، فبعد ساعات فقط قصفت كتائب القسام تل أبيب لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية ردًا على اغتيال الجعبري، وفرضًا لمعادلات جديدة.
لم يكتفِ الاحتلال باغتيال الجعبري، بل بدء في عدوان شاملٍ على قطاع غزة، ارتكب خلاله مجازر مروعة عبر استهداف منازل الآمنين والصحفيين والمساجد والمقابر، وراح ضحيته 161 شهيدًا من الأطفال والنساء العزل.
عشرة أضعاف
وردا على العدوان المتصاعد أعلنت كتائب القسام إطلاق عملية "حجارة السجيل"، والتي أمطرت خلالها مستوطنات العدو ومواقعه العسكرية بنحو ألف وستمائة قذيفة صاروخية، شملت صواريخ M75، وصواريخ فجر5، وصواريخ غراد، وصواريخ قسام، وقذائف هاون.
وبحسب الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة فقد حافظت المقاومة على مستوى عالٍ للنيران حتى اليوم الأخير للمعركة، وكان حجم النيران المستخدمة يساوي عشرة أضعاف معدلها في اليوم الواحد من حرب الفرقان في العام 2008/2009م.
وأشار أبو عبيدة إلى أن المقاومة وكتائب القسام كان أداؤهما تصاعديًا، فبعد أربع ساعات من اغتيال الجعبري بدأت بقصف غير مسبوق لمواقع الاحتلال العسكرية، وبعد ثماني ساعات قصفت تل أبيب.
وأكد أبو عبيدة أن 95% من الأهداف التي قصفها الاحتلال مدنية، وأن الخسائر العسكرية للمقاومة لا تكاد تُذكر، في حين أن المقاومة ضربت أهدافًا عسكرية محددة.
فشل أمني واستخباراتي
وقال أبو عبيدة إن استخدام كتائب القسام أسلحة نوعية لأول مرة في تاريخ المواجهة مع الاحتلال كضرب آليات على الحدود مع قطاع غزة، واستهداف بوارج في البحر، واستهداف طائرات في سماء قطاع غزة، وتوسيع مدى الصواريخ، كل هذه القضايا كانت نقاط إنجاز ونجاح للمقاومة، وكانت في المقابل نقاط فشل أمني واستخباري وعسكري للاحتلال الصهيوني.
وأظهرت معركة حجارة السجيل تطور القدرات القتالية والصناعات العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، إذ أعلنت كتائب القسام عن إدخال صواريخ M75 وفجر 5 إلى الخدمة، كما أنها استهدفت طائرات العدو وآلياته على البر وفي البحر بأسلحة نوعية.
وشمل بنك أهداف المقاومة خلال المعركة قواعد ومطارات ومواقع عسكرية، ومواقع في مدن كبرى كالقدس المحتلة و"تل أبيب" ، وبئر السبع المحتلة، وعسقلان، وأسدود.
استجداء التهدئة
وعلى مدار ثمانية أيام لقنت المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام الاحتلال دروسًا لن ينساها، وأرعبت قادته العسكريين والسياسيين الذين أصبحوا يستجدون التهدئة عبر الوسطاء.
واستطاعت المقاومة خلال المعركة ولأول مرة في تاريخ الصراع مع المحتل كسر قواعد الاشتباك وفرض معادلات جديدة، وأرضخت الاحتلال لشروطها، كما أنها أحدثت توازنًا في الرعب بدا واضحًا من مشاهد النزوح وفرار المغتصبين داخل الكيان بفعل صواريخ المقاومة.
وقُتل خلال المعركة 19 صهيونيًا، بينهم 9 جنود، وأصيب 653 آخرون، بالإضافة إلى تضرر كبير في أكثر من 718 مبنى ومصنعًا، وتدمير نحو 240 سيارة، فيما تكبد الاقتصاد خسائر تُقدر بـ 3 مليار شيقل.
مراكمة القوة
أجبرت المقاومة الاحتلال على إيقاف عدوانه على غزة وأخضعته لشروطها، وفور وقف العدوان عمدت إلى استخلاص العبر والعظات، وبدأت مشوارًا جديدًا في مراكمة القوة وتطوير السلاح وتكثيف التدريبات الميدانية، وخلال مدة زمنية قياسية استطاعت إحداث نقلة نوعية وهائلة في أدائها ظهر جليًا خلال معركة "العصف المأكول" والتي اندلعت في السابع من يوليو عام 2014م.
واستخدمت كتائب القسام خلال المعركة استراتيجيات عسكرية عدة لم يكن يألفها الاحتلال من قبل، أبرزها تنفيذ عملية كوماندوز بحرية ضد موقع عسكري، واتباع استراتيجية القتال من مسافة صفر، وإدخال طائرات مسيرة لأول مرة، وقصفت مطار بن غوريون، وأدخلت عددًا من الصواريخ المحلية بمديات طويلة إلى الخدمة لأول مرة (R160 - J80 - S55).
انتهت المعركة، وكعادتها سارعت كتائب القسام إلى استخلص العبر والعظات، وواصلت مشوارها من جديد في مراكمة القوة وتطوير الأداء، وهو ما ظهر جليًا في معركة "سيف القدس" التي كان للمقاومة السبق واليد العليا فيها من البداية حتى النهاية، حيث افتتحت كتائب القسام المعركة بقصف مدينة القدس المحتلة برشقة صاروخية، بعد تحذير القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف الاحتلال من استمرار عدوانه على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح.
أظهرت المقاومة خلال المعركة جزءًا مما راكمته على مدار 9 أعوام منذ انتهاء معركة حجارة السجيل، وشاهد العالم بأسره التطور الكبير والهائل الذي وصلت إليه في خطواتها الثابتة والمتواصلة نحو تحرير فلسطين.
ومثلت معركة "سيف القدس" تتويجًا للجهود الكبيرة التي بذلتها حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في مراكمة القوة، ورسمت لوحة مصغرة لمعركة تحرير فلسطين، والتي باتت خيارًا واقعيًا وليس حلمًا بعيد المنال.