في ظلال "الذكرى الثالثة" لعملية حد السيف، يمكن لنا أن نقف بتأمل عميق مع انعكاسات هذه العملية البطولية التي تميزت بـ "الاحتراف العسكري"، و"التفوق الاستخباري"، بعد أن حولت أهداف العدو إلى خاصرته، ونجحت ببراعة في (غنم الأجهزة والمعدات) التي أعدت للتنصت على شبكة الاتصالات الآمنة للمقاومة، وقبل كل هذا تصفية قائد القوة من مسافة صفر وتعريض حياة باقي أفرادها للخطر الشديد، ومن ثم حرق صور القوة ونشر كل التفاصيل الخاصة بها في وسائل الإعلام؛ الأمر الذي شكل أكبر انتكاسة يتلقفها العدو الإسرائيلي ومنظومته الأمنية.
لأن العملية لم تنتهِ بانتهاء الحدث، وبقيت حاضرة وممتدة من خلال الآثار والنتائج التي كان لها (عظيم الأثر) على المستوى السياسي الذي دفع الثمن نتيجة الإخفاق، وكذلك المستويات الأمنية والعسكرية التي دفعت "أثمانًا مضاعفة"، لمسؤوليتها المباشرة عن هذه القوة، وكونها لم تقدر جيدا حجم المخاطر التي كان يمكن أن تتعرض لها، ولم تتخذ الاحتياطات اللازمة لتفادي فشل العملية، ولم تستطع حماية قائدها وعناصرها بالشكل الأمثل، وعجزت تمامًا عن إخفاء كل المعالم والآثار والمعدات التي تركتها القوة خلفها حين هروبها، في ظل عجز سلاح الجو عن تدميرها وإتلافها بالشكل المطلوب، وهذا عائد لـ 1- قصور في التوجيهات 2- سوء إدارة الموقف 3- إخفاق ضباط المهمة في سلاح الجو، وأسباب أخرى.
الأمر الذي شكل أكبر فرصة (لكتائب القسام) التي استنفرت منذ اللحظة الأولى استخباراتها وطواقمها الفنية، وبدورها أجرت الفحص والمسح الشامل لمحيط منطقة العملية، ولكل المناطق التي مرت من خلالها القوة الخاصة الصهيونية، حتى توصلت لتفاصيل ومعلومات "ثمينة للغاية" ولا نبالغ إن قلنا إنها بمنزلة (كنز من المعلومات) استفادت منه الكتائب في: 1- معرفة أسماء هذه القوة وأعدادهم وأوصافهم وألقابهم والمؤهلات الخاصة بهم وأصولهم وعناوينهم، 2- الاطلاع على نوع المهمة التي كلفت بها وطبيعة المناطق التي عملت بها داخل وخارج فلسطين. 3- فهم الطرق والأساليب والتكتيكات الخاصة بها. 4- معرفة طبيعة تسليحها والمعدات والأجهزة الفنية التي تمتلكها.
هذا بدوره مكّن كتائب القسام من إدارة هذه المعركة باحترافية أدت إلى توجيه ضربات قاصمة للعدو الإسرائيلي، ومن أبرز هذه الضربات: 1- إطلاع الإعلام والرأي العام على طبيعة عمل هذه القوة وعرض مشاهد مباشرة للاشتباك المباشر معها ولحظات تصفية وقتل قائدها في ظل حرص العدو على فرض رقابة مشددة على العملية لوقف أي تداعيات لها على "الجمهور الإسرائيلي، وكذلك الإعلام العبري، وضباطه وجنوده، وعلى فرقه الأخرى" العاملة في ساحات أخرى، 2- حرق صور وأسماء هذه القوة ونشر كل التفاصيل الشخصية والعملياتية عنهم، 3- إعلان غنم هذه المعدات والأجهزة النوعية.
لذلك فإن انعكاسات هذه العملية كانت خطِرة وغير مسبوقة بعد الفشل الذريع للعدو "سواء في إدارة العملية أو الحد من تداعياتها"، ويمكن استعراض الانعكاسات التي ما زالت حاضرة معنا حتى الذكرى الثالثة وربما تستمر سنوات، لأن العدو حتى الآن يغوص في (وحل الفشل) وعاجز تماما عن إعادة ترميم صورته المهتزة، أو القيام بأي عمل يمكن أن يؤدي إلى مسح هذا العار من سجل القوة الصهيونية الخاصة أو يسعف القيادات السياسية والأمنية التي تلطخت صورتها ومنيت بالعار وبقيت منكسرة وغير قادرة على التباهي بأي إنجاز سياسي وعسكري سابق، لأن عملية حد السيف شطبت سجل الشرف العسكري والسياسي لهؤلاء وأسقطت ميداليات البطولة أرضًا أمام بطولة واستعداد منقطع النظير من مقاتلي كتائب القسام.
وهذه الانعكاسات تتلخص في أربع نقاط: 1- عدم تنفيذ أي مهمات أو عمليات خاصة داخل القطاع من قبل قوة سيرت متكال والفرق الخاصة الأخرى منذ عملية حد السيف خشية تكرار ذات السيناريو. 2- انخفاض الجهد الأمني والاستخباري وتراجع بنك الأهداف لدى العدو في ظل كشف العديد من عملائه في سياق هذه العملية وصعوبة تجنيد جدد في ظل وضع أمني معقد تفرضه المقاومة. 3- وقف عدد من العمليات الخارجية في ساحات عربية وإسلامية. 4- انتهاء صلاحية هذه الفرق في ظل عدم قدرتها على تنفيذ أي مهام بعد حرق التفاصيل الخاصة بها.