(شريك الأمس عدو الغد.. وعدو اليوم قد يكون صديق الغد).. حِكمة تنطبق على حال السلطة وقياداتها المتناحرة على خلافة ياسر عرفات وإرثه حتى بعد رحيله بـ(17) عاماً، لا يزال التنافس والتناحر بين الشريكين السابقين رئيس السلطة محمود عباس والعقيد المنشق عن حركة فتح محمد دحلان يتبادلان الاتهامات للنيل من وطنيتهما المزعومة، سعياً لإقصاء الآخر بتهمة التورط في قتل عرفات.
قُتل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في 11 نوفمبر عام 2004م، وسط تكهنات وتوقعات فلسطينية بأنه قضى متأثراً بالسم، وهو ما أثبتته المختبرات السويسرية بعد تسعة سنوات حينما فحصت بعض أدواته الشخصية لتُقر بأنه مات متأثر بسم (البولونيوم الإشعاعي الذري)، وهو نوع من أنواع السموم لا يتوفر سوى لدى الدول النووية ومنها (إسرائيل).
وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية تلاشي البولونيوم تجعل منه سُماً مثالياً لجريمة متكاملة، ولكنه ليس في متناول يد كل مجرم، إذ لا يُنتج إلا في نطاق صناعي، حيث ينبغي معالجة عدة مئات من الكيلوغرامات من الصخور التي تحوي اليورانيوم المشع للحصول على جرعة قاتلة تزن 100 نانوغرام (10000000 من الغرام) من البولونيوم، وهذه العملية ذات تكلفة مادية مرتفعة، لكن في المفاعلات النووية، يمكن الحصول على البولونيوم بقذف عنصر البزموت القليل الإشعاع بالنيترونات، مما يعني أن الدول النووية فقط يمكن أن تحصل على هذه المادة.
والسؤال المهم كيف وصل "البولونيوم" إلى جسد عرفات؟، والإجابة الفطرية والمنطقية لهذا السؤال تؤكد وجود أيدٍ ساعدت الاحتلال الإسرائيلي بالوصول إلى الرجل الذي رفض التوقيع على صك التنازل عن القدس رغم الضغوطات الأمريكي مما تسبب بفشل قمة كامب ديفيد عام 2000م.
عرفات.. لم يكن أسير المقاطعة وحيدة، بل كان حوله قيادات من حركة فتح وبعض المتكالبين على خلافته والتي اتخذت مساراً محموماً بعد الإعلان عن مرض الرجل دون معرفة الأطباء سبيلاً لعلاجه، من مرض لم يتمكن من اكتشافه الخبراء الفرنسيين ولا الروس، فقط السويسريين وكأن الأمر متفق عليه سياسياً بعيداً عن نتائج المختبرات العلمية.
لكن خلاف الرجلين (عباس- ودحلان) وتبادلها الاتهامات والأدلة على تورط كل منهما في جريمة اغتيال عرفات بعد صمت استمر سنوات طويلة، يشير إلى أن الشراكة المصلحية بين الرجلين الذين صورا أنفسهما بديلا عن عرفات وشريكا للأمريكان والإسرائيليين انتهت، وحان وقت التفرد فكرسي السلطة لا يتسع إلا لشخص واحد فقط.
هذه الخلافات والاتهامات التي أغمض الفتحاويون أعينهم عنها، قدمت صك تبرئة على طبق من ذهب للاحتلال الإسرائيلي الذي كان متهما دون دليل براءة على ضلوعه في اغتيال الرجل الذي كان سبباً في تفجير الانتفاضة الثانية عام 2000م بعد فشل قمة كامب ديفيد.
وما يزيد تورط عباس ودحلان في اغتيال عرفات هو أن السلطة لم تحقق في اغتيال قائدها ومؤسسها، بل ومرت عن حادثة اغتياله مرور الكرام بصفتها (متفرج) وليس (صاحب عزاء)، وهو صمت فضحه عباس عندما أخفى نتائج التحقيقات الدولية التي كانت بين يديه قائلاً: "لا أريد أن أقول لكم من القاتل، مش حتصدقوني"!، وبذلك يبقى دم عرفات مهدوراً بين القبائل التي ترأسها وقاد ثورتها وقضى شهيداً للدفاع عنها وعن موروثها الوطني، تاركاً للمتنازعين على خلافته عار تبرئة الاحتلال من دمه.