فلسطين أون لاين

يستمر حتى نهاية ديسمبر المقبل

تقرير "ملاذ الفن".. معرض عن مطحنة الحياة وقضاياها المعاصرة

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

"الحياة في إيقاعها واحدة، مقارنة بالحاضر، إذ تبدلت الأحوال وتبعثر إيقاعها، فحياة الناس تتجدد يومًا بعد يوم، وأصبحوا يسيرون تحت الأرض، ويحلقون في السماء، ركضٌ عنيف وراء لقمة العيش، وفزعٌ وخوف، تحول الإنسان لمسمار في طاحونة ضخمة تطحن كل شيء".

هذا ما عبرت عنه الفنانة "حليمة الكحلوت" بعمل نحتي لـ"مفرمة يدوية" صنعتها من الكرتون المعاد تدويره مطلية بلون معدني شاركت به في معرض "ملاذ الفن".

تتوسط "المفرمة" أعمال فنية ورسومات أنتجها فنانون غزيون تختلف رسائلها في المعرض الذي افتتح أبوابه مركز الالتقاء للفن المعاصر، قبل أيام، بالشراكة مع جمعية مركز غزة للثقافة والفنون، ويواصل استقبال زواره حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول القادم.

أن تعيش مسمارًا

من مفرمة يدوية موجودة في بيتها لمعت فكرة العمل الفني الذي استغرق إنجازه شهرًا، بحجم يبلغ عرضه 160 سم وارتفاع 120 سم.

تقول حليمة لصحيفة "فلسطين"، إن المفرمة اليدوية تعد شيئًا كلاسيكيًّا بالنسبة للحاضر الذي نعيشه، أقارن فيها بين حياة الناس قديمًا، وحياتهم مع تطور التكنولوجيا واستخدامها بطريقة سلبية ووجود حروب وكوارث بطريقة جعلت الإنسان الفلسطيني كمسمار في طاحونة ضخمة لا يستطيع السيطرة عليها، "فالحق أصبح بأيدي الأقوياء الذين يديرونها".

الذين يمسكون يد الطاحونة، هم من "يسلبون أرض الشعب الفلسطيني" ويجعلونه يدور في عجلة الحياة باحثًا عن "لقمة العيش".

وتلفت إلى أن المعرض يمثل مساحة جديدة للتعبير عن القضايا الفلسطينية، وفرصة لتطوير مهاراتها وتعلم تقنيات فنية جديدة.

والمعرض هو نتاج دورة في الفنون وتقنياتها المتعددة، خضعت لها عطاف برفقة العديد من الفنانين التشكيليين في غزة، بواقع 75 ساعة تدريبية، بجانبيها النظري والتطبيقي.

تباين الحياة

في مقابلة المفرمة، استند إلى أحد جدران المعرض وجه فتاةٍ شُكل من عديد البيوت المتلاصقة بألوان مختلفة، تحاكي به الفنانة عطاف النجيلي التكدس العمراني مع مرور الزمن، والاختلاف العضوي لنمو وتكاثر هذه الوحدات الملونة بألوان قاطنيها، متسائلة وهي تنظر إليه: "ماذا لو كان الكون أحادي اللون، وكيف للحياة أن تنشأ دون هذا التباين!".

لدى عطاف تفاصيل أخرى عن عملها الذي أطلقت عليه اسم "أكسجين"، تتحدث عنها لصحيفة "فلسطين": "العمل يصف الحالة التي يعيشها قطاع غزة من تكدس عمراني وحروب وأزمات، إلا أن أهل غزة بالتحديد مستمرون في حياتهم ويقبلون عليها وهذا ما عبرت عنه بتعدد الألوان"، مشيرة إلى أنها اختارت المرأة للدلالة على دورها الأساسي والريادي في المجتمع.

في بحر الوقت

في أعلى المعرض تتدلى كرة كبيرة من الشبك بداخلها كرات بيضاء صغيرة مختلفة الأحجام، يعبر العمل عن علاقة الكتلة بالفراغ والماضي، وأسفل منه مجسم لساعة حائط مغطاة بلاصق ذهبي، تتدلى من عقاربها أشرطة من ورق طابعات الآلات الحاسبة على الأرض.

تطرح صاحبة العمل نداء أحمد من خلال عمليها مفهوم تضييع الوقت، إذ "أصبح الوقت كالبحر إن تبحر فيه بسفينة مصنوعة من العلم والدقة فلا تلومن إلا نفسك".

وبملصق وضعته بجانب عملها الفني تكمل: "هناك العديد من الأشخاص يهدرون الوقت ولا يعرفون قيمته (...) يعالج هذا العمل علاقة الورقة بالساعة والتأثيرات المصاحبة من خلال التكوينات داخل إطار العمل الفني وأجوائه".

"في أصوات معلقة أطرح نفسي وموسيقاي، صوتي وصورة هذا الصوت، نحيا الحياة كما نصعد الدرجات، كل منا يقف على درجة يتميز وينفرد بها، ولكننا جميعنا نقف ونتحرك على السلم ذاته كالدرجات الموسيقية في آلة البيانو".

هكذا عبرت روان أحمد عن فكرتها التي دونتها على ملصقٍ، بجوار مروحة كهربائية متحركة تتكون من أنابيب زجاجية، معلقة بملاقط خشبية تتدلى من حبل طوله 100 سم.

في زاوية أخرى من المعرض، اختارت تيماء سلامة الحجارة لتجسد فكرتها عن "الأثر"، والأثر لديها "شاهد على حادث وقع عبر الزمن إذ يوثق كل منا أثره بأسلوبه الخاص، فمنا من يضع بسمته على حجارة المكان تعبيرًا عن الحالة باستخدام مواد طبيعية من البيئة: الأصباغ، والحناء، والفحم".

واختارت سلامة حجارة عمرها 400 عام، وأخرى لمنازل دمرتها الحروب الإسرائيلية العدوانية على غزة.

جيل فني واعد

يوضح منسق الإقامات الفنية في مؤسسة التقاء للفن المعاصر رائد عيسى، أن المعرض نتاج لمشروع "ملاذ الفن"، الذي استعان بمشرفين من خارج فلسطين لتطوير قدرات الفنانين في قطاع غزة.

ويذكر أن المشروع فترة إقامة فنية لأعمال كل فنان لمدة ثلاثة أشهر مع مكافأة مالية قدرها 1500 دولار، وإخضاعه لورش فنية لتعلم تقنيات متعددة.

ويشير عيسى لصحيفة "فلسطين"، إلى أن كل فنان نظم معرضا فرديا أو ثنائيا بشكل بسيطٍ بعدما أنشأ مجموعة من الأعمال الفنية، ثم شارك كل واحد منهم بعمل أو اثنين في المعرض الختامي الذي حمل اسم المشروع.

ويؤكد أن الهدف من المشروع تأهيل جيل واعد من الفنانين وتزويدهم بالخبرات المتنوعة، مبينًا أن الأعمال الفنية المعروضة تتناول قضايا إنسانية حياتية تختلف في طريقة الطرح، فبعضهم سلط الضوء على حقوق الطفل، والمرأة، والشباب، والتوحد، والوقت.