رمضان شهر الجهاد والصيام مصدر قوة روحية تدفع إلى العمل, واعتقاد المؤمن أنه يؤدي عبادة فرضها الخالق مما يمده بالروح الفتي والعزم القوي؛ لذلك كانت شهور رمضان أيام نصر، ففي مواسم هذا الشهر الكريم تحققت انتصارات إسلامية رائعة فهو يأتي اليوم والأمة تنزف في مواطن كثيرة، فهذا جرح فلسطين الغائر, وذاك جرح العراق النازف وما يبرح أن ينزف جرح جديد حتى يلحق به جرح آخر، ففي رمضان حققت الأمة الإسلامية انتصارات كثيرة وكذلك سرايا القدس أنجزت وقدمت على الصعيد الفلسطيني عمليات بطولية عدة وشهداء على خطى من سبقوهم والدماء ما زالت تسيل في طرق الجهاد والمقاومة.
التذكير بالجهاد في هذا الشهر المبارك، تذكير بماضٍ مشرق نحن أحوج ما نكون إلى الاسترشاد به، لنخرج من أزمة طال أمدها، وبعد زمنها، حتى صرنا في مؤخرة الأمم، وأصبحنا مع كثرتنا غثاءً كغثاء السيل، فنزع الله المهابة من قلوب أعدائنا، وقذف في قلوبنا الوهن -حب الدنيا وكراهية الموت، فالتذكير بالماضي ينبغي أن يساق للعبرة، وللإفادة منه في صنع حاضرنا، ورسم صورة مشرقة لمستقبلنا، حيث أمر الله عز وجل بالجهاد وحث عليه، ورغب فيه حتى وصف من يبذل نفسه في سبيله بمن يبيع نفسه لله، ونعم البيع ذلك البيع، فقال عز وجل: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقْتُلون ويُقْتلون وعدًا عليه حقًا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (التوبة: 111(.
شهر رمضان المبارك هو شهر الجهاد، وفيه وقعت أعظم معركتين في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأولى معركة بدر الكبرى التي كانت فرقاناً فرق الله به بين الحق والباطل، وأصبح للمسلمين بعدها العزة والمنعة. والثانية فتح مكة، وبها زالت غربة الإسلام الأولى، وسقطت رايات الوثنية في البلد الحرام، وأصبح الإسلام عزيزاً في أرجاء الجزيرة العربية.
إخواني في الله: ونحن نسمع عن جهاد المسلمين في رمضان، وما حققوه من انتصارات عظيمة، وفتوحات باهرة، نرى كثيراً من المسلمين اليوم قد وهنت نفوسهم، وضعفت عزائمهم، وخارت قواهم، وغُرس حب الدنيا وكراهية الموت في قلوبهم، فهم يسرحون ويمرحون، ويتابعون المسلسلات والملهيات في شهر الجهاد والانتصارات والفتوحات التي حققها أسلافنا وأجدادنا.
ونرى البعض منهم يقضي نهاره في النوم والكسل، وليله في الإفراط في تناول الطعام والشراب، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، والسهر على المحرمات.
الإخوة الكرام.. إن جهاد الأعداء من أعظم القربات إلى الله تعالى فهو ذروة سنام الإسلام، فكيف حينما يكون في رمضان وهو أفضل الشهور عند الله عز وجل.
ستلتقي بلا شك الذروتان لتكون ذروة كبرى لا يبلغها إلا من اصطفاه واختصه الله بذلك الشرف العظيم، صيام وقتال، وكلاهما جهاد، فالأول جهاد للنفس لكبح جماحها عن المعصية والثاني جهاد للأعداء لكبح جماحهم عن الفساد في الأرض ونشر الفتنة.
فطوبى لمن وفقه الله واختاره لأن ينال شرف الجهاد والشهادة في هذا الشهر المبارك ليُفطر مع محمد وصحبه في أعلى عليين ويشهدوا معه زفافه باثنتين وسبعين من الحور العين اللاتي ينتظرنه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
كما ينبغي على المجاهدين والمرابطين أن يتقربوا إلى الله تعالى في هذا الشهر بتقوية الروابط الإيمانية فيما بينهم والإكثار من خدمة إخوانهم حتى يقوى الصف المجاهد ويزداد متانة وصلابة في مواجهة الأعداء، وبهذا يمكنهم تفويت الفرص على الشيطان حتى لا يفسد العلاقة فيما بينهم فيضعف الصف وتذهب الريح.