بـ"سيخ شاورما" ينادي عليه زملاؤه في المدرسة بسبب سمنته المفرطة، حتى بات يستاء من نفسه أحيانًا، ومع ذلك لا يقوى الطفل عمار سليم الذي يبلغ من العمر 9 أعوام على كبح جماح شهيته المفتوحة على الطعام بمختلف أشكاله وألوانه.
تقول والدة عمار: "قارب وزن عمار على الخمسين كيلوجرامًا، وأعتقد أن سبب الزيادة في الوزن العادات الغذائية الخاطئة منذ صغره، وتدخل الجدات في الأنماط الغذائية، فما يهمهم هو أن يكون الطفل "كلبوظ" متجاهلين معايير أخرى".
ويواجه طفلها تنمر أقرانه بسبب وزنه الزائد، ولجأت به إلى أخصائيي التغذية ليساعدوه على خسارة بعض الكيلوات، "لكنه حتى الآن لم يعتد النظام الغذائي الخاص، ولم يستطِع تطبيقه بحذافيره، فإذا رأى أمامه طعامًا أو مشروبًا يفضله، يكسر كل القوانين من أجله".
أما الطفلة سما عباس البالغة من العمر 14 عامًا، فلم تكترث ووالدتها لوزنها الزائد، حتى باتت تسمع تعليقات السيدات حولها: "خففي وزنها، فهي على أعتاب مراهقة وبكرة على أعتاب زواج.. حرام عليكِ".
تقول: "المشكلة في ابنتي أنها تعتمد في طعامها على الحلويات والسكاكر وهو ما يتسبب لها بزيادة في الوزن، وباتت جملة خففي أكل تؤرق مسامعها وتزعجها".
اختلال الطاقة
من جهته، يتحدث استشاري التغذية العلاجية د. محمود الشيخ علي أن السمنة في مرحلة الطفولة من الحالات الطبية الخطيرة التي يصاب بها الأطفال والمراهقون، وهي مقلقة وتضع الأطفال على بداية طريق مشكلات صحية كانت تُعد سابقًا خاصة بالبالغين، مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، والكولسترول.
ويلفت إلى أن السمنة في الطفولة تدفع بالطفل مع مرور الزمن إلى مشكلة عدم تقدير الذات والاكتئاب، ونحن في قطاع غزة تقفز معدلات السمنة بين الأطفال باستمرار، مقارنة بالأعوام العشرين الماضية.
وهناك أسباب تجعل الأطفال يعانون السمنة، تبعًا للشيخ علي، من أهمها اختلال الطاقة في أثناء الطفولة والمراهقة، إذ تتراكم الدهون الزائدة عندما يتجاوز إجمالي إنتاج الطاقة إجمالي استهلاكها، وعادة يكون هذا بسبب نمط الحياة الخاملة، وعدم كفاية النشاط البدني.
كما يؤدي السلوك الغذائي دورًا رئيسًا في هذا الجانب، بفعل تناول كميات كبيرة من الطعام الغني بالسعرات الحرارية، والأطعمة المصنعة المشبعة بالألوان والنكهات، والمشروبات الغازية، وقضاء الكثير من الوقت أمام الأجهزة الإلكترونية، وقلة الأنشطة البدنية، إلى جانب العوامل البيئية التي تتمثل في سهولة الوصول إلى الوجبات السريعة، وقلة فرص ممارسة النشاط البدني، ونقص الحدائق والملاعب في بعض المجتمعات.
ويضيف الشيخ علي: "ثمة أيضًا العامل الوراثي إذ يكون الطفل أكثر عرضة لخطر السمنة عندما يكون أحد الوالدين يعانيها، ومع ذلك فإن الجينات لا تعني بالضرورة أن الطفل سوف يعاني زيادة الوزن، فهناك عدد من الخطوات التي يمكن للطفل اتخاذها لتقليل هذا الخطر، وبعض الأدوية ومضادات الاكتئاب، والحالات الطبية والهرمونية مثل: قصور الغدة الدرقية، ونقص هرمون النمو، ومتلازمة تيرنر، ومتلازمة داون".
نصائح لصحة أفضل
وينصح الشيخ علي بضرورة الحرص على تقديم الخضراوات والفواكه للأطفال وتقليل الحلويات والأطعمة المشبعة بالدهون إلى حد كبير، وتشجيع الطفل على ممارسة النشاط البدني الرياضي المحبب إليه بما يساعد على حرق الدهون.
ويشجع كذلك على تقديم الألبان قليلة الدسم، وتجنُّب تناول الطعام أمام التلفاز، وتخصيص وقت محدد للوجبات، كما أن للنوم مبكرًا دورًا في خفض معدل الإصابة بزيادة الوزن، نتيجة عمل الهرمونات في أثناء النوم ليلًا، ما يمنع تراكم الدهون بالجسم.
وينبه إلى أن على الأهل احترام شهية أطفالهم أو فقدانهم لها، أو إجبارهم على تناول طعام معين أو إنهاء كل ما في طبقه، فلن يؤدي ذلك إلا إلى إشعال النزاع حول الطعام أو زيادته، وتقديم اختيارات صحية له حتى يعتادها ويفضلها.
التأثير الأصعب
وفي السياق ذاته، يرى الاختصاصي النفسي والاجتماعي إسماعيل أبو ركاب، أن هناك العديد من المشكلات النفسية التي قد تنشأ بسبب تأثيرات السمنة، كالشعور بالخمول وعدم القدرة على الحركة بالشكل المطلوب، والذي يمثل العامل الرئيس للشعور بمتعة الطفل في أثناء اللعب.
وإذ يلفت إلى تنمر العائلة والأصدقاء وتأثيرات ذلك في نفسية الطفل، يؤكد أن فقدان تقدير ذاته تعد المشكلة الأهم ينطوي عليها إشكاليات نفسية كالاكتئاب والانطواء، والانسحاب المجتمعي وقلق المستقبل، والميل إلى العدائية والشعور بالدونية.
ويقول أبو ركاب: "بشأن التنمر، في السنوات الأولى ما قبل المدرسة لا يعي الأطفال بعض المفاهيم، ولكن بعد اختلاطهم بالمحيط الاجتماعي يعي ذلك ويسقط جزء من المشكلات التي يشعر بها على الأهل أو أنهم جزء من المشكلة وعدم الحماية، فإذا استمرت الضغوطات على الطفل تزيد نسبة إلقاء اللوم عليهم"، لافتًا إلى أهمية أن تعي العائلة ذلك مبكرًا وتخطو خطوة للعلاج.
ويمكن معالجة المشكلات النفسية الناتجة عن السمنة بالعودة إلى جذر المشكلة وهي اتباع نظام غذائي أو نظام حركي رياضي، والطلب من جميع المحيطين بالطفل عدم التهكم أو السخرية من الطفل السمين، فذلك سيقلل من حجم الضغط النفسي الذي يعانيه، ويزيد دافعية الطفل باتجاه التعديل من نظامه الغذائي، مثل: المكافأة أو الخروج برحلة أو القيام بأي شيء يحبه الطفل.