تنتظر إيمان أبو تبانة أخذ دورها في عملية زراعة كلى، إذ تعاني فشلًا كلويًّا كاملًا منذ عشر سنوات، وتوقفها عن أخذ حقن " إريثرو بيوتين" الهرمونية يعوق إجراء العملية.
أنهك المرض جسد إيمان النحيل، في ظل شح ونقص الأدوية التي يجب أن يحصل عليها مرضى الفشل الكلوي لكيلا تسوء صحتهم، ولكن يحذوها الأمل بإعادة توفيرها لإنقاذ حياة المئات منهم.
تقول إيمان (31 عامًا): "عدم توفر هرمون تقوية الدم لا يؤثر فيَّ فقط بل يؤثر في جميع المرضى، فهو المسؤول عن رفع نسبة الدم بعد عملية الغسل المرهقة التي تسحب كمية كبيرة من الدم".
و"إريثرو بيوتين" هو هرمون كرات الدم الحمراء ووظيفته تنشيط إنتاجها ومن دونه لا ينتج الجسم خلايا الدم الحمراء، ويحقن مرضى الفشل الكلوي المزمن بهذا الهرمون من أجل تعويض انخفاض مستوى الأكسجين في الدم، وهذا الهرمون مفقود من مخازن وزارة الصحة في غزة منذ بضعة أشهر.
وتوضح إيمان لـ"فلسطين" بألم، أن نسبة الهيموجلوبين في دمها تبلغ 7 وحدات، ومن الصعب نقل وحدات لها، إذ تنتظر الحصول على تحويلة طبيبة لزراعة كلية في أي وقت، ونقل الدم سيعدم فرصة الزراعة.
وتخضع إيمان لغسل الكلى ثلاث مرات أسبوعيًّا، وتستمر هذه العملية لنحو أربع ساعات، تصاب بعدها بالدوار وزغللة في العيون، وقشعريرة تسري في كل جسدها.
وتناشد إيمان سرعةَ توفير هرمون "إريثرو بيوتين" لإنقاذ حياة مرضى الفشل الكلوي، وحق الحصول على العلاج هي حق كفلته جميع القوانين الدولية.
توفيرها باستمرار
أما فاطمة ياغي فتتردد منذ أربع سنوات على قسم غسل الكلى في مستشفى الشفاء، وهي أم لأربعة أطفال وتحتاج إلى الحقنة الهرمونية ذاتها، والتي يتعذر حاليًّا توفرها في قطاع غزة.
تقول فاطمة (34 عامًا) لـ"فلسطين": "لحظة اكتشاف إصابتي بالفشل الكلوي قبل أربع سنوات، كانت الحقن الهرمون لتقوية الدم شحيحة وفي كثير من الأحيان لا تتوفر، وكنت أحصل على حقنة واحدة أسبوعيًّا فقط بسبب انقطاعها المتكرر، ومن المفترض الحصول على ثلاث حقن كل أسبوع أي حقنة بعد كل عملية غسل كلوي".
وتتابع: "في البداية كنت أشتري الحقنة من الصيدلية على نفقتي الخاصة، ولكن بسبب تردي أوضاعي المادي توقفت عن ذلك في مرتفعة الثمن بالنسبة لي، ولا يمكن أن أوفرها ثلاث مرات في الأسبوع، وأنتظر توفرها في المستشفى فقط"، مشيرة إلى أن سعر الحقنة يتراوح بين 30-35 شيقلًا.
وتردف فاطمة: "هرمون تقوية الدم هو هرمون مصيري ومهم لمرضى الفشل الكلوي، الذين يحتاجون أيضًا إلى توفير كثير من الأدوية والفيتامينات التي لا توفرها المستشفيات، لتعويض المرضى من نقص الكثير من الفيتامينات بعد عملية الغسل".
وقبل عامين أصيبت فاطمة بحالة مرضية استدعت نقل وحدتي دم لها، وهذا الأمر أفشل سعيها لعملية زراعة كلى، في ظل عدم توفر جهاز فحص البلازما في قطاع غزة.
وتدعو فاطمة المؤسسات الدولية لتوفير الأدوية لجميع المرضى في قطاع غزة باستمرار، وتوفير الأدوية والمقويات الأخرى، التي لا يقوى المرضى على شرائها بسبب ارتفاع ثمنها، في ظل حصار إسرائيلي أدى إلى سوء الأوضاع الاقتصادية في غزة.
مضاعفات خطيرة
من جهته يبين مدير دائرة صيدلة المستشفيات بالإدارة العامة للصيدلة بوزارة الصحة د. علاء حلس أن نفاد هرمون "إريثرو بيوتين" وهو المسؤول عن تكون كريات الدم الحمراء والهيموجلوبين" في الدم بنسبة بالكامل، ويفرز بنسبة 85% في الكلية.
ويوضح د. حلس لـ"فلسطين" أن نقص "إريثرو بيوتين" وتوقف مرضى الفشل الكلوي عن أخذه يسبب لهم العديد من المشكلات الصحية كالهزال العام، والتعب، والدوار، أي فقدان القدرة على أداء الأنشطة اليومية الاعتيادية.
ويلفت إلى أن نقص هذا الهرمون يؤدي إلى تراجع نسبة الدم في جسم مريض الفشل الكلوي من 5 إلى 6 في حال لم يُحقَن به بعد كل عملية غسل كلى، ويضطر الأطباء إلى نقل وحدات دم له وهذا الأمر يعرضه أيضًا لمضاعفات صحية بعد عملية نقل الدم.
ويحتاج مريض الكلى إلى 4 آلاف وحدة من هرمون "إريثرو بيوتين" في جلسة الغسل الواحدة، وبمعدل 12 ألف وحدة أسبوعيًّا، وفقًا للدكتور حلس.
ويفيد بأن استمرار نفاد هذا الهرمون، سيؤدي بالمرضى إلى مضاعفات خطيرة من بينها فقر الدم "الأنيميا"، وقد يؤدي إلى مضاعفات تصل إلى فشل في عضلة القلب.
ويذكر د. حلس أن 1050 مريض فشل كلوي في قطاع غزة، يوزعون على خمسة مراكز مركزية في القطاع، يحتاجون لأكثر من 10 آلاف حقنة هرمونية شهريًّا.
وتوثر عملية نقل الدم في المرضى الذين ينتظرون زراعة كلى، إذ يشير إلى أن الدم فور دخوله الجسم يكوِّن أجسامًا مضادة تعوق عملية الزراعة وتدفع الجسم إلى لفظ العضو المزروع.
ويطالب د. حلس المؤسسات الداعمة لمرضى الفشل الكلوي بتوفير العلاج لهم لإنقاذ حياتهم.
ويأتي غالبًا هرمون "إريثرو بيوتين" على هيئة منح وهبات من دول ومؤسسات خيرية، إذ تكلف كل حقنة 7 دولارات في وقت يعجز مريض الفشل الكلوي عن دفع هذه القيمة عند كل عملية غسل للكلى.
ويؤكد حلس أن الهرمون منذ شهرين نسبته صفر في مستودعات الأدوية، في حين يحتاج المريض إلى 300-400 شيقل شهريًّا لتغطية نفقات هذه الحقن العلاجية.
ويعاني القطاع الصحي في غزة بالأساس نقصًا حادًّا بنسبة 40% في الأدوية الأساسية عمومًا، إضافة إلى نقص في المعدات والمستهلكات الطبية.