فلسطين أون لاين

​ذكورية المجتمع بأيادٍ نسائية.. كيف يكون ذلك؟

...
صورة تعبيرية
غزة - فاطمة أبو حية

في ظل الحديث المستمر عن ذكورية المجتمعات العربية، والانتقاد المتواصل لهذا الأمر، يحدث أن تكون النساء هنّ من يؤسسن لهذه الحالة، فيربين أبناءهن على مبادئ تعزز فكرة أن الأفضلية للرجل، ويزرعن هذه الأفكار في عقول الأبناء من الذكور والإناث، وعندما يكبر هؤلاء يكون كل منهم مقتنعٌ بدورٍ يجعله يواصل السير في الفلك ذاته دون تغيير، أضف إلى ذلك مجموعة القناعات التي تحملها بعض النساء، وتبثها إلى محيطها، كأن تؤمن الواحدة منهن بأن اضطهادها أمرٌ طبيعي لكونها امرأة، وأن المولودة الأنثى عقبة في حياتها.. فما الذي يجعل النساء يتصرفن بهذه الطريقة؟ وما النتائج؟

لماذا أجهّزه أنا؟

الشابة "أسماء الشوبكي" (27 عاما) تقول: "أمهاتنا يعرفن أن المجتمع ذكوري، ولا يروق لهن هذا الأمر، لكنهن لا يسعين للتغيير، ويفضلن تقبل الواقع كما هو"، مضيفة: "يظهر هذا القبول بالواقع في أسرتنا في مواقف كثيرة، وأغلبها يتعلق بعدم مشاركة إخواني في أعمال المنزل، وإجباري أنا وأخواتي على خدمتهم".

ومن أمثلة ما تتحدث عنه الشوبكي، أنها وأخاها الذي يصغرها بعامين يعودان من العمل في نفس الوقت، وإن كان أهلها تناولوا وجبة الغداء، تأمرها والدتها بأن تجهز الطعام لها ولأخيها، على اعتبار أنه متعب من عمله، فتسألها: "لماذا أجهزه أنا؟ لقد عدنا من العمل في نفس الوقت، وأنا متعبة مثله تماماً".

وتوضح: "عندما أطلب من أحد إخواني مساعدتي في عمل ما في المنزل، يستغرب جرأتي في الطلب، ويرفض، أما أمي فتشير إليّ بأن أترك أخي وشأنه"، مبينة: "لا أرى أن المساعدة فيها تقليل من شأن الرجل، ولذا لن أربي أبنائي بذات الأسلوب الذي اتبعته أمي، بل سأجعل الذكور كالإناث تماما".

وعلى العكس تماما، نشأ "محمد حسنين" في أسرة لا أخوات فيها، فعوّدته أمه مع إخوانه الثلاثة على مساعدتها في كل أعمال المنزل.

ويقول: "ما فعلته أمي رحمها الله جعلنا نشعر بحجم الجهد الذي تبذله النساء في بيوتهن، ولذا فالآن نحن نشارك زوجاتنا في أعمال البيت دون ضجر، حتى أنهن يطلبن منا عدم القيام ببعض الأشياء لأنهن لم يعتدن في أسرهن على أن الرجل يمكن أن يفعل ذلك".

أما "إيناس أحمد" فتتساءل: "لماذا تُجبر المرأة على تحمل الاضطهاد، وعلى السكوت عن الإساءة لها، وعلى التنازل عن حقوقها؟ لماذا تضطر إلى تقبل الضرب والإهانة من زوجها؟ وفي المقابل نسمع أن الرجل لا يعيبه شيء، وإن أخطأ فلا يحق لزوجته أن تستاء، أليس هذا كله نتاج أفكار المجتمع التي تميز الرجل عن المرأة في كل شيء؟".

وتقول: "المشكلة أن النساء يقبلن بهذه الأفكار، وهن اللواتي ينصحن بعضهن بالسكوت إن تعرضن لمشكلة"، مضيفة: "لا بد أن يكون للمرأة كيانها ورأيها دون تفضيل الرجل عليها، ولكن هذا لا يعني أن تدخل النساء في حالة تحدٍ مع المجتمع ومع الثوابت".

الأسرة ثم المجتمع

ويقول الأخصائي النفسي الدكتور إياد الشوربجي: "أغلب المجتمعات العربية تميل إلى الاهتمام بالذكور أكثر من النساء، وتفضليهم عليهن، مع دعم فكرة أن يبقى المجتمع ذكورياً والسيطرة فيه للرجال فقط".

ويضيف لـ"فلسطين": "زرع الأفكار يبدأ خلال عملية التربية، فينشأ الطفل في أسرة تربيه على أنه أفضل من أخته، وله صلاحيات أكثر منها، ويحق له ما لا يحق لها، بالإضافة إلى تلبية كل طلباته وتمييزه في كثير من الأمور مثل زيادة مصروفه اليومي"، متابعاً: "من أشكال زرع هذه الفكرة أيضاً أن يكون السباب الموجه للابن بأنه (مثل البنت)، وأن يكون قدوم مولودة أنثى للأسرة باعث حزن، بينما يتم استقبال المولود الذكر باحتفال مميز".

ويواصل: "في هذه الحالة سيترسخ عند الطفل فكرة أنه الأفضل لكونه ذكرا، وأن أخته أقل منه لأنها أنثى، ويتعزز مفهوم قوة الذات، ويتضخم لديه مفهوم الأنا، ويشعر أنه هو المسيطر والمتحكم، وتتشكل عنده مشاعر الدونية والانتقاص تجاه الأنثى".

أما الأنثى التي تنشأ في عائلة تدعم النظرة الذكورية فهي، بحسب الشوربجي، تشعر أنها محتقرة، وأن الكل ينظر لها بطريقة سلبية، وعندما تكبر ترضى بالذل والمهانة والتنازل عن الحقوق، وغالبا ما ترضى ليس لإرادتها؛ بل رغماً عنها لأن الأمر أصبح مفروضًا عليها بحكم التربية وثقافة المجتمع.

ويشير الشوربجي إلى أن هذه التربية تجعل الأبناء، ذكوراً وإناثاً، يواصلون نفس الفكرة عندما يكبرون، لافتاً إلى أن: "الإنسان الواعي يعيد النظر فيما تلقاه من أهله، ولذا فإن بعض من نشأ في أسر تسود فيها العنصرية، يغير أفكاره تماما ويعدلها، ولكن هذا التغيير الفردي لا يكفي لتغيير المجتمع كله".

ويبين: "التغيير المجتمعي لا يتم إلا بطريقة مُوجهة ومدروسة، ولكن ما يحدث غالباً أن الفرد يجد نفسه محاطاً بالأفكار ذاتها حتى عندما يكبر، مما يصعب عملية التغيير الفردي، ويجعل الأفكار تزداد رسوخاً".