قائمة الموقع

"فرسان الساحل" يحيون رياضة الرماية على ظهر الخيل

2021-11-01T10:02:00+02:00
فرسان الساحل

على مقربة من شاطئ البحر غرب منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة، يصل إلى مسامعك صوت صهيل الخيول وهي تصول وتجول على أرضٍ ترابيةٍ، حينما يمتطي الفارس محمد أبو مساعد وفريقه "فرسان الساحل" خيولهم يتجمعون في ساحة التدريب يوم الأربعاء من كل أسبوع، من الغرب تحفهم نفحات هواء تشريني بارد، يمارسون رياضة الرماية بالقوس بوضعيتين؛ الأولى على ظهر الخيل، والثانية من وضعية الوقوف على الأرض.

على ظهر الخيل يشعر محمد "بعزة الفرسان"، صوت انطلاق السهم مدعاة للفخر لديه، هذه الانطلاقة نحو الهدف، تشابه إصراره على تحقيق هدفه في الحياة والتركيز عليه وعدم الانشغال بكل المؤثرات من حوله في سبيل الوصول إليه.

تاريخيًا يعد القوس أو "النشابة" امتدادًا للحضارات القديمة، وكان من الأدوات البدائية الأولى التي استعملها في الصيد، ومن ثم في المعارك، لكن التفكير في جعلها رياضة ظهر في القرن السادس عشر، حينما نظمت أول مسابقة اعتمدت على القوس والنشاب سنة 1583 في "انجلترا" بمشاركة ثلاثة آلاف فارس.

ثمار التعب

"الفريق، والأدوات، والخيول، كلها عبارة عن مجهودٍ فردي، فلا يوجد أي تبني أو رعاية من أي طرف، فلا نزال نتدرب على قطعة أرضٍ منحتنا إياها عائلة مؤقتًا لغرض التدريب، كما أن الأدوات أوفرها على نفقتي الخاصة"، يتحدث محمد أبو مساعد (40 عاما) عن بداية الرحلة قبل أربع سنوات، واليوم حصد ثمار تعبه بعدما حصل الفريق على عضوية الاتحاد العالمي للرماية على ظهر الخيل.

تمكن العضوية الفريق من السفر بشكل فردي أو جماعي وخوض غمار المنافسات التي تُنظَّم كل عام، "تعني لي هذه العضوية شيئًا كبيرًا، فحصلت على تقدير خارجي، لكن للأسف لم يتم احتضاننا محليًّا"، يقول محمد.

ويعود بذاكرته للبدايات الأولى: "كانت المعضلة عدم توفر الأدوات، لكنني تجاوزتها بعدما تعلمت صناعة الأقواس، ثم حصلت على إجازة من عملي في التدريس، وسافرت إلى إندونيسيا تحديدًا في جزيرة "جاوا" وحصلت على دورات في الرماية الأرضية وعن ظهر الخيل".

كانت تلك التجربة "شيقة"، زار فيها محمد تسعة وأربعين ناديًا للرماية، مشيرًا إلى أن الكوادر التدريبية على مستوى عالٍ، والمدربون أتراك نظرًا لاهتمام بلدهم الكبير بإحياء رياضة الرماية.

بعد شهر، عاد محمد إلى غزة يحمل خبرة جيدة مكنته من الانطلاق وتأسيس فريق "فرسان الساحل".

لهذه الرياضة كما الألعاب الأخرى قوانين خاصة، إذ يسمح القانون بمشاركة أربعة لاعبين من الفريق إضافة لمدربيْن، تتولى الدولة المضيفة للسابقة توفير الخيول، التي يحصل عليها المتسابقون بشكل قرعة، ثم يمنح يومين للتعرف على الخيل الانسجام معه وهذه اللعبة متاحة للجنسين.

ثلاثة مسارات

يدخل اللاعب في ثلاثة مسارات خلال المنافسات، في كل مسار يخوض جولات تسديد تتفاوت في صعوبتها، ففي أحد المسارات عليك الرماية من الأمام والجانب والخلف في غضون اثنتي عشرة ثانية، وهذا يحتاج إلى سرعة عالية للانطلاق على ظهر خيل مروّض، وفي مسار آخر عليك رماية هدف في السماء على ارتفاع ثمانية أمتار، وفي الثالث بسرعة أبطأ للحصان ولكن عليك رماية سبعة أهدافٍ.

دقة الإصابة والزمن صعب، هنا محمد يعرض جانبًا من ذلك "ينتصر المتسابق من خلال تجميعه أكبر عدد من الإصابات الدقيقة، ولكن إن اجتاز جميع المسارات بعد أن يتجاوز الزمن المحدد فإن تلك النقاط لا تحتسب، وإن أصاب الأهداف بأقل من المدة المسموحة تصبح النقاط مضاعفة".

ترويض الخيل في هذه اللعبة مسألة أساسية، فالخيل يخاف من صوت طنين الوتر لحظة سحب السهم، وكذلك ألوان قرص الهدف، لهذا يتم ترويض الخيل بتعريفه على شكل القوس فيشتم رائحته، ثم يعتاد على صوت الوتر بالضرب من قربه، ثم من على ظهر الخيل، نسمعه صوت السهام، فيتعرف عليها ويشمها ويعرف أنها غير مؤذية، "بالتالي يصبح مدرَّبًا لا يلتفت ولا يخاف منها، كذلك نعوده بعد الرمايات بإعطائه مكافآت مثل: الجزر، التمر، والتفاح والسكريات التي تحبها الخيول وهذه كله في غضون عشرة أيام".

يستخدم محمد نوعين من الأقواس يصنعها بنفسه؛ الأول القوس العربي العضوي يعود في طريقة صنعه إلى العهد المملوكي، وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا، وتصنيعه يتم على مراحل مرتبطة بانخفاض الرطوبة وذلك لالتصاق المكونات ببعضها، لكونه يصنع من قرون الحيوانات التي تصفح بها بطن القوس من أجل تقويته، مشيرًا إلى أن أفضل الأخشاب لصناعة الأقواس هي تلك المأخوذة من شجر "التوت" بالإضافة لعصب من عظام أقدام الحيوانات والتي تستخدم لتصفيح ظهر القوس.

أما النوع الآخر من الأقواس فتصنع من ألياف الكربون والخشب وهذه سهلة الصناعة.

ويعبّر القوس عن حضارات سابقة، وفي المنافسات الدولية يرتدي كل فارس الملابس التراثية التي تمثله، فتمتزج الرياضة بالهوية، اللباس الفلسطيني الشعبي هو الذي سيخوض به محمد تلك المسابقات، متمسكًا بهويته الفلسطينية والحضارات القديمة التي تعاقبت عليها.

اخبار ذات صلة