دعا صحفيون إلى ضرورة توفير حماية دولية للصحفيين والمؤسسات الإعلامية الفلسطينية من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم، وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية، من جراء ما اقترفوه من عدوان ممنهج بحق الصحفيين.
وشددوا في ورشة بعنوان "شهادات حية من الصحفيين الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتداءات الإسرائيلية"، نظمتها لجنة دعم الصحفيين، بمقرها بمدينة غزة أمس، عشية اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين الذي يوافق 2 نوفمبر من كل عام، على ضرورة توحيد الجسم الصحفي من أجل مواجهة المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون والإعلاميون.
حرب شعواء
وبين منسق لجنة دعم الصحفيين، صالح المصري، أن الاحتلال ارتكب منذ بداية عام 2021 أكثر من 678 انتهاكًا بحق الصحفيين، موضحًا أن أبرز هذه الانتهاكات كان في العدوان الأخير على قطاع غزة في مايو الماضي، إذ استشهد الزميل يوسف أبو حسين عندما قصفت طائرات الاحتلال منزله، علاوةً على تدمير 59 مؤسسة إعلامية.
وأوضح أن الاحتلال ارتكب منذ بداية العام نحو 94 حالة اعتقال واحتجاز واستدعاء وإبعاد، إضافة إلى 40 حالة إصدار حكم وتمديد اعتقال إداري وأكثر من 160 حالة منع من التغطية و3 حالات منع من السفر، مشيرًا إلى أن هناك 19 صحفيًّا ما زالوا داخل سجون الاحتلال.
بدوره، أكد مدير إذاعة الأقصى عماد زقوت، أن شبكة الأقصى تواجه حربًا شعواء من قبل الاحتلال، إذ قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية مؤسساتها 11 مرة منذُ تأسيسها، علاوةً عن أن مراسليها يواجهون ضغوطًا كبيرة في أثناء التغطيات الميدانية في قطاع غزة والضفة العربية.
وقال زقوت: إن "طائرات الاحتلال قصفت مقر القناة في غزة 5 مرات، والإذاعة 3 مرات، إضافة إلى إصابة عدد من صحفييها في أثناء التغطيات الميدانية، بينهم إعاقات مستديمة، وارتقاء شهداء، آخرهم يوسف حسين"، مشددًا على أن الاحتلال يتعمد ذلك لعرقلة عملهم الميداني في تغطية الاحتلال ومنع فضح جرائمه.
وأشار إلى أن الغرب يتماهى مع سياسات الاحتلال، كما في القرار الفرنسي بحذف ترددات فضائية الأقصى من القمر الصناعي "يوتل سات"، بطلب من رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو.
من جانبه، قال مدير مكتب الجزيرة في غزة، وائل الدحدوح، إن الانتهاكات الإسرائيلية باتت جزءًا من حياة الصحفي الفلسطيني، مشيرًا إلى أنها "تعرقل عمل الصحفي وتضفي مزيدًا من التعقيدات على حياته".
وشدد الدحدوح على أن الصحفي في الميدان بغزة أثبت أنه على قدر التحدي، واستمر في حمل هذه الأمانة والرسالة وأداء دوره رغم كل هذه الظروف، ولا سيما في العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو الماضي.
وعبر عن اعتقاده بأنه ليس أصعب على الصحفي من فقد المأوى كما حدث بتدمير الاحتلال برج الجلاء، الذي يضم مقري قناة الجزيرة ووكالة الأنباء الأمريكية، معتبرًا أن الاستهداف شكل ضربة للإعلام والإعلاميين ولا تخلو من رسالة سياسية لأصحاب هذه المؤسسات.
شكاوى أممية
من جهته، استعرض مدير تحرير صحفية فلسطين، مفيد أبو شمالة، ظروف عمل الصحيفة بعد قصف مقرها في برج الجوهرة وسط مدينة غزة، مشيرًا إلى أن الصحيفة عملت في ظروف بالغة الصعوبة لتستمر في الصدور بعد تدمير مقرها وفقدانها كل معداتها وجزءًا كبيرًا من أرشيفها، إذ اضطر الصحفيون للعمل من بيوتهم بما توفر من إمكانات لوجستية يسيرة.
وأشار أبو شمالة إلى أن الصحيفة تعكف حاليًّا على إعداد مخاطبة للمقرر الأممي الخاص بالحقوق والحريات بخصوص الانتهاك الذي تعرضت له، مطالبًا كل المؤسسات الصحفية التي تعرضت للدمار بتوجيه شكاوى أممية ضد الاحتلال.
وعدَّ أن هذه الشكاوى سيكون لها تأثير كبير كما حدث في قيام مندوب الاحتلال في الأمم المتحدة بتمزيق تقرير مجلس حقوق الإنسان الذي يدين (إسرائيل) ويحملها المسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين.
أما المصور في صحيفة "فلسطين"، ياسر قديح، فقدم شهادته الحية لإصابته بجراح خطيرة في أثناء تغطية مسيرات العودة في عام 2018 برصاص قناص إسرائيلي، مؤكدًا أنه لا يزال يعاني مضاعفات الإصابة، وأنه بحاجة لاستكمال العلاج.
وقال الصحفي معتصم مرتجى شقيق الشهيد الصحفي ياسر مرتجى، إن شقيقه استشهد في أثناء توثيقه قصصًا إنسانية في مسيرات العودة، معربًا عن أسفه لاستمرار جرائم الاحتلال بحق الصحفيين في غزة.
وتوجه مرتجى برسالة إلى الصحفيين بضرورة الاستمرار في العمل على فضح انتهاكات الاحتلال والمضي على نهج شقيقه في نقل الحقيقة وتوثيق الجرائم ونشرها.
محاسبة الاحتلال
في حين دعا مدير البرامج في فضائية "القدس اليوم"، محمد أبو شاويش، المؤسسات الحقوقية للتحرك لمحاسبة الاحتلال ومعاقبته على جرائمه بحق الصحفيين، مشددًا على ضرورة توفير الحماية اللازمة والمطلوبة التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية.
ولفت إلى أن طاقم العمل في فضائية القدس اليوم تعرض للحظات صعبة جدًّا حين قام بإخلاء مقرها في برج الشروق قبل قصفه من طائرات الاحتلال، إذ لجأ إلى أستوديوهات بديلة في برج الجلاء الذي تعرض للقصف أيضًا، ما جعله يخوض رحلة معاناة للبدء من جديد.
أما الصحفي مثنى النجار، فقال: إن "الاحتلال يمارس ضغوطًا كبيرة على المحتوى والرواية الفلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تغلق تلك المواقع في مقدمتها شركة "فيس بوك" وأدواتها مئات الحسابات للصحفيين الفلسطينيين".
وقال الصحفي عبد الناصر أبو عون: "إن الانتهاكات الإسرائيلية لن تضعف عزيمة الصحفي الفلسطيني، فالتجارب التي اكتسبناها من الحروب على غزة ستجعلنا قادرين على مواصلة عملنا"، داعيًا لملاحقة الاحتلال على جرائمه الموثقة بحق الصحفيين، رغم الانحياز الدولي الواضح له.
من ناحيته، أكد الحقوقي مصطفى إبراهيم، من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أن المؤسسات الحقوقية ترصد كل الانتهاكات بحق الصحفيين، وتعقد العديد من الدورات التدريبية لكيفية توثيق الجرائم الإسرائيلية، وهي خطوة مهمة في فضح ومحاسبة قادة الاحتلال.
وأعرب إبراهيم عن خشيته من إقدام الاحتلال على وصف بعض المؤسسات الإعلامية بأنها "إرهابية"، كما حدث مع ست مؤسسات حقوقية، وذلك في إطار الهجمة المستمرة على الفلسطينيين.