فتحت الستائر على حلقتين كل واحدةٍ بها عشر طالباتٍ يجلسن وأمامهن حواسيب وهواتف محمولة يحاكين مراحل حفظهم خلال أزمة فيروس كورونا والعدوان الإسرائيلي على غزة. إحدى الطالبات تقرأ "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ".. صدى شعر العرافة يتردد من جهات القاعة الأربع "من قال إن الداء يكتم صوتنا، من قال إن الخوف ألجم حبنا، والله يا دار المعالي إننا، جئناكِ سعيًا من فتات قلوبنا".
في المشهد تتصل المُحفظة بإحدى طالبات الحلقة: "هدى هل تسمعيني جيدا؟، هيا أكملي من عند وردك آنفا تقرأ الطالبة من "سَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ" ثم ينقطع الصوت، ويعيد صوت الاتصال على الواتس آب، الطالبة تستفسر: معلمتي ها قد اتصلت عليك من برنامج آخر، هل تسمعيني الآن أفضل؟، المعلمة ترد: لا ما زال الصوت يتقطع" فتقترح المعلمة أن تعرض على الحلقة على برنامج "الزوم".
بهذا المشهد التمثيلي افتتحت فعاليات "مخيمات المتميزين لعام 2021" الذي كرمت فيه دار القرءان الكريم والسنة 542 حافظة في قاعة المؤتمرات الكبرى بالجامعة الإسلامية بغزة اليوم الأحد، أرادت الدار من خلال تجسيد الجهد المبذول في مواجهة أزمة فيروس "كورونا" وكيف وظفت المحفظات تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في سبيل الحيلولة دون انقطاع الحافظات عن وردهن، في الأثناء كانت صحيفة "فلسطين" ترصد لقطات متنوعة من الفقرات.
خارج القاعة تتقدم نورا أبو العمرين (14 عامًا) أحد مساري الحافظات تحمل سارية علم فلسطين متوشحة الكوفية، تطوق هامتها الورود، كما ارتدته معظم الحافظات، تتسابق كلمات الفرح للخروج من فمها: "شعور لا يوصف أن أحفظ القرآن الكريم خلال عام ونصف لا أجد كلمات تعبر عن فرحتي".
وأنت تسير بين المسارين تلمح المسنة عطرة برغوث (61 عامًا) لم يمنعها تقدمها في العمر من تحقيق حلم ظل يرافقها منذ الطفولة، انشغلت في تربية الأبناء وهموم الأسرة، لكن الهدف لم يغب عنها ودأبت على تحقيقه سبع سنوات، وها هي تسير برفقة حملة اللواء القرآني.
أعطي الإذن بتحرك مسار الحفظة لداخل القاعة لكن المسنة تركت لصحيفة "فلسطين" كلمات أدلتها دفعةً واحدة بنبرة سريعة: "الحمد لله هذه أجمل فرحة، كان حلمي أن أحفظ القرآن والحمد لله أتممته حينما كبر أبنائي واليوم حفيدي يدخل الجامعة وأنا هنا أختم القرآن".
دخلت المسنة عطرة القاعة، بينما تملأ الفرحة ملامح ابنتها فاتن وكنتها آية، الأخيرة كان لها بصمة في هذا الإنجاز: "تمثل حماتي قدوة لي وهذا حفزني على الحفظ، رأيت تعبها وهي تسهر طوال الليل تصلي وتحفظ، ثم أقوم في الصباح بتسميع ما حفظته وكانت تسمع نحو عشر سورٍ دفعة واحدة".
دخلت آخر حافظة القاعة، من الخلف تلمح سيدة تركض تحمل باقة وردٍ، بينما يحمل زوجها صندوقي هدايا يحاول الأبوين مفاجأة ابنتهما شهد أشرف أبو قرارة (14 عامًا) بعد نهاية الحفل، لكن القاعة غصت بالحضور وأغلقت النسوة باب الدخول من شدة الاكتظاظ. بعدما التقطت أنفاسها، قالت: "الفرحة التي أشعر بها الآن، هي فرحة أم ذاهبة لزف ابنتها العروس، صدقًا أطير فرحًا".
في الساحة الخارجية للقاعة يتابع ماهر سمور ومئات الآباء والأمهات المحتشدين في الخارج فعاليات وقائع حفل على شاشة عرض كبيرة يحاول العثور على ابنته أسيل (14 عامًا)، غير أن ذلك لم يكن كافيا.
لا تتسع الفرحة قلب هذا الأب وهو يجلس على كرسي بلاستيكي ويجلس إلى جواره أطفاله، التقطت "فلسطين" جزء من هذه الفرحة: "شيء يرفع الرأس عاليًا بين الناس أن تحفظ ابنتك القرآن، لكن تمنيت لو استطعت الدخول للقاعة لمشاهدة ورؤية ابنتي أسيل، رغم أني وصلت الساعة الحادية عشرة والنصف (قبل بدء فعاليات المؤتمر بساعة)".
جني الحصاد
في كلمتها قالت مديرة فرع الطالبات في دار القرآن الكريم والسنة د. هيفاء رضوان: "نقف اليوم أمام المشهد الأخير، مشهد جني الحصاد وتخريج 542 حافظة لكتاب الله، أما عن أبطال هذه القصة فهم ألوف من الطالبات اللواتي تشوقن لتعلم كتاب الله، ومئات المحفظات والمشرفات والإداريات، بذلن أنفس الأوقات في خدمة كتاب الله.
وأضافت: "بدأنا بالدورات التأسيسية وحفظ جزء عم، وتعلم القرآن حرفا حرفًا بالطريقة النورانية، ثم التدرج في الحفظ حتى ختم ثلاثة أجزاء، والاختبار بها مجتمعة، بعد أن اختبرت الطالبة في كل جزء على حدة، ثم حفظ الجزء الرابع فالخامس ثم الاختبار في خمسة أجزاء مجتمعة، وتتكرر القصة في الأجزاء الخمسة التالية، ثم هكذا في الأجزاء الخمسة الأخرى ثم اختبار تجميعي في حفظ عشرة أجزاء".
وأردفت "أنه من بين آلاف الطالبات، تجد ثلة من المتميزات، يواصلن المسير حتى يتوجن بلقب حافظة لكتاب الله، تمضي الباقيات على خطاهن"، مشيرة إلى أن البرامج التي جرى تنفيذها خلال مخيمات المتميزين تنوعت ما بين برامج تربوية وعلمية وترفيهية وتوعوية.
وأشارت إلى أن جميع الطالبات حصلن في هذه المخيمات على دورة تأهيلية في أحكام التجويد كحد أدنى واجتازت اختبارا بمعاني مفردات قصار السور، ودرست المشاركات كتاب "المائة اللباب" في الأخلاق والآداب، واجتازت الخريجات الاختبارات التجمعية المقررة في لجان مركزية بحسب ضوابط معتمدة في الدار، شاكرة كل من ساهم في انجاه هذا المشروع.