فلسطين أون لاين

طفله على سرير المرض في أقسام الكلى

ليعيد مسار حياته.. الأسير أبو هواش يكافح بأمعائه

...
الأسير هشام هواش (أرشيف)
القدس المحتلة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

تحمل بين ذراعيها طفلها عز الدين الذي لم يتجاوز من عمره ست سنوات، تطوف به بين أقسام الكلى في مستشفى "المطلع" بمدينة القدس المحتلة، للمراجعة وتحديد موعد عملية جراحية ثانية بعد شهر من إجراء الأولى، في حين تتقاذفها المخاوف على زوجها الأسير هشام أبو هواش.

في عيادة سجن الرملة يرقد هشام على سرير مواصلًا إضرابه عن الطعام لليوم السادس والسبعين على التوالي، مقيد اليدين والقدمين، وتكاد تكون الأخبار شبه منقطعة عنه سوى ما يصل من المحامين عن حالته الصحية.

بين متابعة وضع ابنها عز الدين ورعاية أشقائه الأربعة، إلى حالة زوجها، تتكاثر الأعباء والمسؤوليات على كاهل "أم هادي"، تعيش حياة مشتتة منذ أسر هشام في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2020.

في المشفى والبيت مسمار الألم يطرق جسد عز الدين، وهناك محكمة الاحتلال ترفض طلب الاستئناف من أجل إعادة النظر في ملف الاعتقال الإداري بحق "هشام".

مذ أعلن معركة الأمعاء الخاوية في وجه الاحتلال في 17 آب (أغسطس) انخفض وزن هشام إلى النصف وبهتت ملامحه، ينخر الوجع عظامه، ومن بين كل ذلك ينبعث الأمل بداخله مدركًا أنه سيكسر قرارات السجان ويعيد حياته إلى مسارها الطبيعي ململمًا شتات عائلته.

سبق إعلان الإضراب زيارة زوجته له، وهنا حاولت إقناعه بالعدول عن قراره، تستحضرها تفاصيل الزيارة في سجن عوفر برام الله: "حاولت إقناعه بالابتعاد عن فكرة الإضراب، ليس لعدم ثقتي في صموده وثباته، لكن خوفًا على صحته"، لكن هشام رفض ما أشارت عليه به زوجه، قال: "لست مجبرًا على البقاء بالسجن على تهمة لم أفعلها تحت مسمى ملف سري".

انقضت الخمس والأربعون دقيقة، أغلقت "أم هادي" سماعة الهاتف ولوحت لزوجها من خلف الزجاج العازل، وفي "قلبها استودعته الله"، على أمل أن تلقاه بعد نهاية الإضراب "في المنزل وبين أطفاله"، كما وعدها.

توضح لصحيفة "فلسطين" أن اعتقال هشام الإداري كان يفترض أن ينتهي في 27 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، غير أن الاحتلال لم ينهِ أسره ولم يجمد اعتقاله الإداري، مثلما فعل مع الأسير مقداد القواسمي، مضيفة: "حتى الآن لم يصدر بحقه أي تمديد جديد، لذا يواصل إضرابه لكسر أي تمديد، ونأمل من الشعب مساندة قضية زوجي حتى يعود لأطفاله".

تتحدث "أم هادي" عن أملها في النصرة الشعبية، وهي تتجول داخل أقسام مشفى المطلع في التاسعة صباحًا، الذي وصلت إليه بعد أن خرجت من بلدة "دورا" الخليل فجرًا.

وضع صحي مقلق

تركت "أم هادي" أطفالها الأربعة، أكبرهم هادي (12 عامًا) وأصغرهم سبأ التي لم تتجاوز سنة وثلاثة أشهر، عند جدهم، تزيل أقفال الغضب عن صوتها أمام مرارة ما تعيشه: "كنت سابقًا أعاني غياب زوجي بالسجن، والآن تضاعفت المعاناة بين علاج وعمليات ابني الجراحية ومتابعة إضرابه والخوف على حالته، أريد معرفة ما يجري له، فقد يحدثُ أمر طارئ فجأة، وهذا ما يشغل تفكيري دومًا، كذلك متابعة متطلبات أطفالي الأربعة، فمن كل النواحي أصبحنا مشتتين".

حصل ابنها هادي الذي لا تقل درجته عن العلامة الكاملة على أقل بثلاث درجات في امتحاناته الدراسية، نتيجة لم تعجب والدته وسط كومة الألم المحيطة بها: "شو اللي بمنعك تجيب علامة كاملة، زي كل مرة؟!".

هذه المرة خرج الطفل عن صمته: "ليش بتضلك تسأليني إيش ناقصك؟!"، تداهمه الدموع: "أنا ناقصني أبوي"، ثم فتح لها قلبه: "عندما أفتح كتابي للدراسة، وفي كل مرة أفتح فيها صفحتي في "فيس بوك" وأرى الأسير مقداد القواسمي والأسرى المضربين؛ أتخيل أبي مكانهم ممددًا على السرير".

تعلق أمه على المشهد السابق، تستحضر ذاكرتها حادثةً أخرى مع طفلها: "تركته ولم أستطع الرد عليه في الموقف السابق، وقبل مدة أقامت مدرسته حفل تكريم لأوائل الطلبة، فرأى كل الطلاب المكرمين معهم آباؤهم، يرافقونهم، ويلتقطون صورًا معهم، إلا هو؛ فأثر الأمر فيه".

أكلت السجون من عمر الأسير هشام تسع سنوات، قبل اعتقاله الأخير توفيت أمه وحرم وداعها، وتشير "أم هادي" إلى موقف يظهر تأثير السجن في حياة زوجها: "توفيت أمه حزنًا عليه بسبب كثرة اعتقالاته، وكان صعبًا ألا يحضر مراسم الدفن، وفي أحد الاعتقالات اعتقل وكنت قد ولدت ابني محمد (10 أعوام)، وأفرج عن والده وهو في عامه الثالث، لكنه لم يتقبل وجوده ولم يقبل الخروج معه".

مع وصول زوجها إلى اليوم السبعين في الإضراب هواجس خوف كثيرة تسيطر على تفكيرها: "هذه لحظات قلقة جدًّا، والاحتلال يستخدم سياسة الموت البطيء لكسر إرادة هشام"، ووسط قلق الأم يترقب أطفالها عودة والدهم محررًا إلى البيت.