فلسطين أون لاين

أبي مريض نفسي.. كيف يكون بره؟

...
صورة تعبيرية
غزة - فاطمة أبو حية

فتياتٌ يمعن أبوهن في ضربهن في أحيان كثيرة بلا سبب، وقد يطردهن من المنزل في ساعة متأخرة من الليل، ودون أن يسمح لهن بارتداء الحجاب، فيحتمين في بيت خالهن الذي يسكن في نفس البناية، وأخيرا قرر أن يبيع البيت، دون أن يوجد بديلا آخر لتسكن فيه الأخوات الستة وأمّهن، وهذا ما دفعهن للوقوف في وجهه، علا صوتهن، وتحدثن بكلمات لا يُقبل أن توجهها ابنة لأبيها، وطلبن من بعض الأقارب التدخل، ولكن دون جدوى.

تقول إحدى هؤلاء البنات: "أبي مريض نفسي، ونتج عن مرضه الكثير من المشاكل، ولكننا نتقبل كل ما يحدث، فالأمر خارج عن إرادته، وهو أبونا وبره واجب"، مضيفة: "لا نعرف كيف نتصرف في بعض الأحيان، ونجد أنفسنا في حيرة بين البر والدفاع عن أنفسنا".

وتتابع: "قد أتحمل الضرب، ولكن ماذا أفعل عندما أجد نفسي خارج البيت دون حجابي؟ وما السبيل لأؤمن مستقبلي أنا وأمي وأخواتي أمام إصراره على بيع البيت والتصرف بثمنه بطريقة غريبة وتركنا بلا مأوى؟ كيف أحقق البر في هذه الحالة؟".

بر الأبوين في حال إصابتهما بمرض نفسي يغيب العقل تماما أو يحيط تصرفاتهما بالغرابة هو ما سألنا عنه أستاذ أصول الفقه الإسلامي بكلية الشريعة والقانون الاستاذ الدكتور ماهر الحولي..

البر يتعاظم

يقول الحولي إن بر الوالدين واجب بغض النظر عن حالتهما الصحية، وعمّا إذا كانا يتمتعان بعقل سليم، أو يعانيان من أي أمراض نفسية.

ويضيف لـ"فلسطين": "في كل الأحوال، يجب على الابن القيام بواجب الوالدين على أكمل وجه، وفي حال مرض أحدهما، أو معاناته من أي خلل عقلي أو جسماني، فإن بره يتعاظم أكثر، والتبعية على الأبناء تزيد".

ويتابع: "الأصل هو البر، وفي حال مرض أحد الأبوين، فالمريض يحتاج إلى خدمة أكبر، مما يعني أن البر يجب أن يزيد، وكذلك فالإنسان من يبر أبويه وهما ساليمان معافيان غير محتاجين له، أما بعد المرض فهما يصبحان بحاجة له، وقد يؤدي المرض للتأفف والإزعاج، لذا فإنه مع زيادة البر، يزيد الأجر".

ويلفت الحولي إلى أنه على الأبناء في هذه الحالة أن يستحضروا قول الله تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا"، بالإضافة إلى العديد من الأحاديث النبوية التي تأمر المسلم ببر والديه وتحذره من العقوق، ومن ذلك ما ورد عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله فقال صلى الله عليه وسلم الصلاة في وقتها، قلت ثم أي قال بر الوالدين ، قلت ثم أي ، قال الجهاد في سبيل الله"، وفي حديث نبوي آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ الذُنوبِ يُؤخّرُ اللهُ تعالى ما شاءَ مِنها إلى يومِ القيامةِ إلا عقوق الوالدين".

في حال أذهب المرض عقل الأب أو الأم، فهل البر يتوقف على الجانب الخدماتي أم يشمل جوانب أخرى؟ يجيب الحولي أن بر الوالدين يأتي في إطارين، هما المادي والمعنوي، الشق المادي يشمل الخدمة والرعاية وتوفير كل ما يحتاجه الأبوان، أما المعنوي ففيه الاحترام والتقدير والمحبة والزيارة وإسماعهما الكلمة الطيبة وعدم التأفف والسخط، مبينا: "الشق المعنوي يتطلب الرعاية المعنوية في كل الأحوال، ولا ينقطع عن الوالدين حتى وإن كانا غير مدركين له ولا يشعران به".

ويؤكد على خطورة تقصير الابن في خدمة أبيه المريض أو الإساءة له من منطلق أنه لا يدرك ما يجري حوله، موضحا: "إن الأبوين لا يدركان ما يفعله الابن ولا يلومانه على تقصيره، فالله هو المطلع، وهو _عز وجل_ يرى ما يرتكبه الابن، وبالتالي يجب على الابن أن يزيد في البر والقيام بالواجبات".

وعمّا إذا كان مرض أحد الأبوين يلحق ضرراً بالأبناء، يقول الحولي: "قد يحول المرض بين الأب والكلام الطيب، فتصدر عنه الشتائم، والمريض في هذه الحالة لا يُلام على كلامه، ولا يحاسبه الله تعالى عليه، وعلى الأبناء ألا يتأثروا بالأمر لأنه خارج عن سيطرة الأب، وأن يتجنبوا استفزازه"، مضيفاً: "وإن كان الضرر أكبر من ذلك، فالبر واجب أيضاً، ولا تعارض بين البر والاحتماء من ضرر الأب، والاحتماء هنا بحاجة إلى حكمة وتفكير لعدم التقصير في الواجبات".