قائمة الموقع

الفن التشكيلي.. سلاح بـ "ألف كلمة" يعبر عن الجرح الفلسطيني

2021-10-28T13:17:00+03:00
لوحة للفنانة سجى موسى

بينما كان الجيران يزيلون ركام منازلهم، أنطقت الفنانة سجى موسى أكوام حجارةِ منزلها المدمر بمحافظة رفح وحولتها إلى لوحات فنية.

فهنا مجسم لقبة الصخرة، وثائر فلسطيني موشح بالكوفية، وشجرة ملونة بألوان علم فلسطين تعلوها كلمة "صامدون" رُسمت على بقايا أرضية رخامية، وعلى شظية صاروخ بلونه الرمادي لمعت ألوان ريشتها الذهبية: "سوف نبقى هنا".

على كل عمود مهدم أو حائط لا يزال قائمًا، مرت موهبة سجى وتركت رسومات تحمل رمزية القضية الفلسطينية في علم وخارطة فلسطين ومسجد يضعه الاحتلال نصب عينيه.

منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 وحتى عدوان الاحتلال الأخير على قطاع غزة في مايو/ أيار 2021، لا يزال الفن التشكيلي الفلسطيني يعكس كل ما وقع على الشعب الفلسطيني من ظلم واضطهاد، ولم يزل أداة نضال قوية عبّر فيها الفنانون عن هموم ومآسي الشعب الفلسطيني.

تفكيك التحديات

تؤكد سجى أن الفن التشكيلي لا يزال يعبّر عن جرح القضية الفلسطينية، وأحيانًا يولِّد طاقة تجعل نقاط الضعف قوة يستخدمها الفنان في إيصال رسالته كما فعلت سجى.

صورة ما حل بمنزلها خلال معركة سيف القدس في مايو/ أيار الماضي تقفز من ذاكرة سجى وهي تعيد رسم مشاهد الدمار التي حلت بمنزلها لصحيفة "فلسطين": "أنذرَنا جيش الاحتلال بهدم المنزل، فخرجنا تحت صرخات الأطفال والنساء، تركت مرسمي الخاص وكل أدوات الرسم فلم أستطع إلا النجاة بروحي، وحينما رجعت ورأيت الدمار وقد اختلطت الألوان مع الردم، وتمزقت الأوراق كان وقع الأمر صادمًا، لكن هذه الصدمة ولّدت بداخلي فكرة استغلال الجدران لرواية قصتي".

قبل العدوان كانت ترسم على الزجاج بألوان زيتية، وبعده رسمت بالزيت على زجاج نوافذ المهشمة، "تعمدت استخدام ألوان العلم الفلسطيني، مرفقة بعبارات الصمود، حاولت إيصال رسالة للعالم أني أدافع عن قضيتي بأسلوبي.

لاقت رسومات سجى تعاطفًا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أقوى تفاعل مع قصتها حظيته حينما وصلت رسوماتها إلى فنانة روسية تدعى نتاليا، والتي بدورها جسدت قصة سجى في رسمةٍ، وشاركت به في معرض روسي كبير، شارك به واحد وخمسون فنانًا روسيًا، وكان من شروط المعرض مشاركة الفنان بلوحة واحدة فقط، فاختارت نتاليا لوحة سجى.

تؤمن سجى أن الفنان يحارب بريشته، كما الصحفي بقلمه وصوته وعدسته، فجعلت نقطة الضعف التي وجدت نفسها فيها بين الركام والردم نقطة قوة تنطلق منها إلى العالم، بشكل أوصل رسائل بصرية واضحة، دأب الفنانون التشكيليون على إيصالها منذ 73 عامًا.

وإذ يرى التشكيلي السوري والباحث حبيب الراعي في كتابه "صورة الواقع في الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر" فإن تناول تجربة التشكيل الفلسطيني في حد ذاته محكوم بشرح وتفكيك التحديات التي تحاصر الواقع الفلسطيني بأسره.

ففي أعقاب الانتفاضة الثانية فرض الاحتلال عوائق لا حصر لها على الفلسطينيين وعلى قدرتهم على التنقل، كما عزلهم عن الحركة الفنية العالمية ككل بشكل متعمد حتى لا يكون لهم صوت مسموع. وحاليًّا، يكاد يكون مستحيلًا أن ينتقل رسامون أو مبدعون بين الضفة وغزة أو القدس أو العكس بحُرية.

سجى أيضًا تشعر بهذه القيود، "فإغلاق المعابر أول عقبة تواجهنا كفنانين، فهناك لوحات معينة يمنع الاحتلال إدخالها وإن دخلت فسعرها مرتفع، كذلك مسألة السفر للمشاركة في معارض دولية".

تقلص الحضور

وبنظرةٍ عامة على واقع الفن التشكيلي الفلسطيني منذ مطلع الخمسينيات وحتى الألفية الحالية، يلاحظ أن الفنانين كانوا أكثر زخمًا في تقديم القضية عن الوقت الحالي، وهذا يرجع لعدة أسباب في مقدمتها الواقع الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي بقطع التواصل بين قطاع غزة والضفة الغربية لا علاقة للفنانين به.

فهذا السجن الذي يحاصر الفن التشكيلي الفلسطيني، يُرجع الفنان التشكيلي الفلسطيني فايز الحسني، أسبابه إلى تراجع الاهتمام الرسمي بالمحافظة على الإرث الثقافي، وتوجه العديد من الفنانين لما يسمى "الفن المعاصر" وذلك لإرضاء أطراف معينة –لم يسمها- ما قلّص عدد الفنانين الذين يعطون للقضية الفلسطينية ويلتزمون الدفاع عنها وبات معظمهم خارج فلسطين.

الحسني أمضى نحو 50 عامًا في الرسم التشكيلي، ورسم نحو 300 لوحة، وقد منعه الاحتلال المشاركة في معرضه الأخير الذي أقيم في القدس، فذهبت لوحاته الخمسون وحدها إلى المدينة المحتلة، بينما بقي هو في غزة.

هذا المنع تكرر مع الحسني كثيرًا، ومع مئات الفنانين الفلسطينيين الذين مُنعوا المشاركةَ في معارض خارجية بسبب قيود الاحتلال.

يقول الحسني لصحيفة "فلسطين": "سبب لجوء الجيل الشاب للفن المعاصر، هو بسبب شروط تفرضها بعض المؤسسات الداعمة، ليكون هناك غموض في الرسالة تجنبًا للملاحقة الإسرائيلية وللسماح لهم بالسفر بحُرية، رغم أهمية الوضوح في الفن التشكيلي وهذا له أثر سلبي على دعم القضية بعكس ما كان سابقًا".

لكن الفن التشكيلي، كما يستدرك الحسني، أعطى للقضية الفلسطينية شيئًا كبيرًا خاصة إذا ما جرى الحديث عن بدايات الفن مع انطلاق الثورة الفلسطينية، وظهور أسماء كبيرة مثل إسماعيل شموط الذي رسم تاريخ فلسطين بالريشة للعالم، وكانوا يلامسون واقع الشعب الفلسطيني في كل المجالات، وهذه المسيرة أكملها فنانون آخرون حتى الوقت الحالي ودافعوا عن القضية الفلسطينية.

في وقت كانت الثورة الفلسطينية تحتاج إلى الدعم المعنوي الكبير، كان الفنانون يرسمون بسخاء ملتزمين هموم قضيتهم، ويعرفون العالم على كل ما يفعله الاحتلال، يقول الحسني لأن الفن "لغة بصرية للعالم لا تحتاج إلى مترجم، أعطت زخمًا لمسارنا المقاوم"، كما يؤكد الحسني.

اخبار ذات صلة