فلسطين أون لاين

​رمضان في ماليزيا.. طقوس تأسر القلوب

...
غزة / كوالالمبور - عبد الرحمن الطهراوي

يشعر الفلسطيني عبد الرحيم شهاب بسعادة جمة لقضائه شهر رمضان للعام الخامس على التوالي في ماليزيا، يتميز الضيف الكريم هناك بخصوصية اجتماعية وثقافية تميزه من غيره من بلدان العالم الإسلامي، لكن سعادته ستكون مضاعفة إن تمكن من عيش بضعة أيام رمضانية بين أهله في القطاع الساحلي.

وشهاب المولود في جباليا عام 1977م طالب دكتوراة في الهدسة المعمارية بجامعة التكنولوجيا الماليزية، ومتزوج ولديه أربعة أطفال، وحديثًا أنهت زوجته الماجستير، وإلى جانبه دراسته يعمل شهاب مديرًا تنفيذيًّا لمؤسسة دولية في ماليزيا ومقيم مع العائلة في العاصمة كوالالمبور.

ويهتم الماليزيون بتنظيف الشوارع والميادين العامة وتزيينها بالمصابيح المضيئة، وتنظيف المساجد وترطيب أجوائها بالبخور، وتُسمع أصوات القرآن الكريم من مكبرات الصوت بالمساجد استعدادًا وابتهاجًا بقدوم الشهر الكريم، وتزدحم المحال التجارية لاشتراء الأطعمة والمواد الغذائية قبيل دخول شهر الصيام.

وعلى الصعيد العائلي قال شهاب: "نشتري الفوانيس للأطفال، ومواد الزينة، بجانب شراء بعض أنواع التمور المستوردة من تونس والجزائر (دجلة نور) والعصائر المركزة للإفطار، فضلًا عن الاتصال بالأهل في غزة وتقديم التهاني والتبريكات لهم بمناسبة الشهر الكريم، وإشعارهم بالشوق إليهم والدعاء لهم بأجمل الأمنيات".

حامل الأختام

وهناك تقليد جميل لدى الماليزيين يغرس في النفس عظمة الشهر ويُعظم شعائر الصيام، إذ عند ثبوت رؤية هلال رمضان يعلن رجل دين معيّن لدى الدولة يُدعى "حامل الأختام الملكية" عبر التلفاز الرسمي ثبوت الهلال ودخول شهر رمضان المبارك.

"وماذا يحدث بعد ذلك الإعلان؟"، عن سؤالي الأول يجيب شهاب: "يبتهج الناس وتُسمع أصوات القرآن، وتصدر أصوات المفرقعات في أنحاء مختلفة من العاصمة، وترى الجميع شيبًا وشبابًا ونساءً وأطفالًا يهرعون إلى المساجد لأداء صلاتي العشاء والتراويح في مشهد مهيب، إذا يحافظ الماليزيون على لباسهم التقليدي، وترى الصبية يجرون ويلعبون في أفنية المساجد فور الانتهاء من الصلاة، وتُقدم الحلويات والعصائر والمياه مجانًا للمصلين".

ويضيف المهندس عبد الرحيم لـ"فلسطين": "يُقام في الساحات العامة ما يُعرف بالبازارات التجارية يوميًّا، وهي أسواق كبيرة تمتد من الساعة الرابعة عصرًا حتى السادسة مساءً، إذ تُعرض أنواع الأطعمة الماليزية كافة، ويشتم الزائر أصنافًا مختلفة من الأطعمة التقليدية التي تقدم مرة واحدة فقط في السنة، وتجد الحلويات أيضًا ألوانًا وأشكالًا، وتجد مأكولات عدة مطبوخةً على طريقة الدول الأخرى، ولكنها مكيفة على الطريقة والذوق الماليزي".

ويخصص شهاب بضعة أيام في الشهر لاصطحاب أفراد العائلة إلى كبرى مساجد العاصمة لتناول طعام الإفطار وأداء صلاة القيام هناك، ويكرر النشاط نفسه بالتنسيق مع بعض الأصدقاء والعائلات الفلسطينية في أجواء يسودها المرح والتآلف.

وتمتاز العاصمة الماليزية بتعدد مساجدها واختلاف طابعها المعماري الإسلامي بشكل جذاب، حيث روعة التصميم المعماري وسعة الصحن وتنظيم أفنيتها ووجود نوافير المياه فيها والعناصر التشويقية الأخرى، ويوجد ركن مخصص للنساء، ويقدم الأغنياء الوجبات والحلويات والعصائر مجانًا للمصلين كافة.

ولا تغيب الأطعمة الفلسطينية عن سفرة الإفطار لدى المغتربين في ماليزيا، هذا ما يؤكده شهاب إذ يقول: "لا يوجد مطابخ عامة أو مطاعم تقدم الأطعمة الفلسطينية بوجه خاص، فنصنع الوجبات في المنزل، كالفلافل، والمسخن، وورق الدوالي، والمقلوبة، وقليل من الأسماك، ونزين السفرة ببعض السلطات والمشروبات".

مبادرة نسائية

وأشار شهاب إلى تنظيم إفطارات جماعية بمبادرة من بعض التجمعات الفلسطينية والمؤسسات الثقافية والخيرية، و(إسكتشات) مسرحية تحاكي القضايا الوطنية، والأمسيات الثقافية وليالي السمر، فضلًا عن إقامة ما يعرف بـ"العشاءات الخيرية"، التي تجمع على هامشها التبرعات للأيتام والفقراء في فلسطين.

في دلالة على التكافل الاجتماعي والترابط الفلسطيني في الغربة بادرت مجموعة من النسوة الفلسطينيات في خامس أيام رمضان بتنظيم إفطار خاص بالطلاب "العزّاب"، إذ دعت العائلات كافة لتجهيز وجبة أو أكثر، جمعت وأرسلت في وقت واحد إلى مساجد بعض الجامعات بالتنسيق مع اتحادات الطلبة.

وعن تعامل غير المسلمين مع الصائمين تحدث شهاب بالقول: "المجتمع الماليزي متعدد الأعراق والديانات، نحو 40% من غير المسلمين، لكنهم يحترمون قدسية الشهر ويحافظون على مظاهره وخصوصيته، ويشاركون في تهاني المسلمين، ويحضرون بكثرة إلى أسواق المسلمين ويشترون منها كغيرهم دون أية فروق أو إظهار تمييز".

ولقضاء العشر الأواخر من رمضان رونق آخر، إذ يتفق الفلسطينيون الذين يقدر عددهم في العاصمة كوالالمبور بنحو 5000 مغترب على قيام الليل في أحد المساجد، وتتسم اللقاءات بالأجواء الروحانية والاجتماعية، ويؤدي الأطفال صلاة القيام مع آبائهم في المسجد، وتبقى النسوة حتى منتصف الليل ثم يعدن مع أطفالهن إلى بيوتهن.

واعتاد الماليزيون استقدام وعّاظ وأئمة أصواتهم نديّة، يستقدمونهم من بلدان عربية، أهمها فلسطين، ولظروف المعبر والإغلاقات يستعينون بالحفظة من الطلبة الفلسطينيين الدارسين في الجامعات الماليزية على اختلاف مراحلهم الدراسية، وأحيانًا يستعينون بالأئمة من سوريا والأردن ولبنان ومصر واليمن.