بعث الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) برسالة إلى رئيس السلطة محمود عباس أكد فيها أن الوضع الحالي في السلطة الفلسطينية بات خطيرًا وبحاجة ماسة لإصلاح هيكلي جدِّي، ولا سيَّما في ظل تعطل عملية التداول السلمي للسلطة ووقف عملية الانتخابات كآلية ديمقراطية للوصول إلى السلطة.
وقال "أمان" في رسالته إنه يتابع باهتمام بالغ قرار عباس تشكيل لجنة وطنية للإصلاح الإداري باهتمام بالغ نظرًا للحاجة الفعلية لإجراء إصلاح جدِّي وجوهري في أجهزة ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية بهدف معالجة الإشكالات والاختلالات القائمة، بالاحتكام لقواعد القانون الأساسي الفلسطيني وقيم وثيقة الاستقلال والممارسات الفضلى في إدارة الحكم.
وأشار إلى قرار عباس تشكيل لجنة وطنية للإصلاح بوضوح لإدراكه بأن النظام الإداري والمالي والأمني الحالي بحاجة للمراجعة والإصلاح، الأمر الذي يتطلب التوقف والتدقيق والفحص بعمق لواقع وطبيعة الاختلالات في بنية وتشريعات النظام السياسي برمته، وخاصة المؤسسات التي تعمل دون وجود قانون ناظم أو هيكليات معتمدة مثل الأجهزة الأمنية والمحافظين والهيئة العامة للبترول أو دون لوائح تنفيذية أو أنظمة مثل المحكمة الدستورية.
ونبه إلى ضرورة تحديد آليات إصلاحها وترشيق هيكليات السلطة الوطنية الفلسطينية وترشيد نفقاتها وتحسين أدائها، في ظل الواقع المالي الصعب للسلطة الناجم عن استمرار وجود عجز بالموازنة العامة السنوية، إضافة إلى ارتباط ذلك بالضغوطات الخارجية المطالبة بالإصلاح إلى جانب المطالبات الداخلية بذلك.
وأكَّد الائتلاف ضعف الشفافية والتشاركية والنزاهة في ممارسة الحكم، ووصولًا إلى إضعاف الرقابة الرسمية على السلطة السياسية باعتبارها مؤثرًا أساسيًّا في النظام السياسي، ناهيك بالاعتراضات على ممارسات قمعية شملت إجراءات توصف بأنها تعدٍّ على الحريات العامة والحقوق الأساسية، الأمر الذي عجّل من التدهور المتواصل في نزاهة الحكم والتدحرج السريع باتجاه نظام سياسي شمولي وسلطوي مترافق مع استمرار الانقسام السياسي.
وشدّد على أنّ عملية الإصلاح ينبغي أن تُركز على القضايا التي تضمنتها في معظمها أجندة السياسات الوطنية والخطة الوطنية للتنمية المعتمدة من قبل الحكومة، مؤكّدًا وجوب تجسيد الممارسة الديمقراطية في دولة فلسطين من خلال تنظيم انتخابات ديمقراطية ودورية على المستويات كافة، وتعزيز احترام مبادئ التعددية وعدم التمييز وصون الحقوق والحريات الأساسية للمواطن.
كما أكّد ضرورة وصول المواطنين للعدالة من خلال ضمان نزاهة النظام القضائي واستقلاليته وفاعليته، وتعزيز تنفيذ الأحكام القضائية.
ولفت إلى أهمية تعزيز العدالة الاجتماعية وسيادة القانون، وذلك من خلال تبني سياسات لتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة من خلال إصدار قانون عادل للضمان الاجتماعي وتطوير المسؤولية الاجتماعية ومأسستها وتعزيز الحوار الاجتماعي.
وشدّد على أهمية وضع سياسات صحية شاملة ذات جودة عالية وتوفير خدمات الرعاية الصحية الشاملة وإتاحتها للجميع، الأمر الذي يتطلب إصلاح نظام التأمين الصحي العام وتعزيز الاستدامة المالية لنظام الرعاية الصحية.
كما شدّد "أمان" في رسالته إلى عباس على وجوب اعتماد الشفافية، وضمان الحق في الوصول للمعلومات، وتفعيل دور المؤسسات الرقابية المالية والإدارية، وتعزيز فاعلية المؤسسات العامة واستجابتها لاحتياجات المواطنين.
وبيّن أن ذلك يكون بتفعيل المساءلة في العمل الحكومي ومكافحة الفساد، وإطلاق بوابة الحكومة الإلكترونية لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين بواسطتها، وتعزيز الشراكة مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
ودعا الائتلاف إلى كفاءة وفاعلية إدارة المال العام، وترشيد النفقات، وإصلاح نظام التقاعد لموظفي القطاع العام، وإعادة هيكلة المؤسسات العامة باتجاه عملية إلغاء البعض منها أو الإدماج لتعزيز كفاءتها في تقديم الخدمات وإنشاء مؤسسات مزودي الخدمات العامة الأساسية ولا سيما خدمات الكهرباء والمياه.
كما دعا إلى توفير الأمن والأمان للوطن والمواطن وتعزيز سيادة القانون بالتركيز على حوكمة قطاع الأمن وتعزيز القدرة على الاستجابة للكوارث وإدارة الأزمات.
وأشار الائتلاف إلى ضرورة إحداث تغييرات في شغل المناصب العليا في النظام السياسي بما يكفل النزاهة والشفافية في الوصول إليها وفقًا للكفاءة ومبدأ تكافؤ الفرص، ووجود لجنة جودة الحكم للرقابة على هذه التعيينات، ومدى الالتزام.
وبين أن ذلك يكون بمدد البقاء في الوظائف وفقًا للقانون، ولا سيَّما للسفراء والمحافظين وقادة الأجهزة الأمنية ورؤساء المؤسسات العامة الحكومية وغير الحكومية.
كذلك دعا إلى إعادة النظر في بنية مؤسسات الإعلام العمومي وخطابه بما يعبر عن تطلعات وهموم مختلف الشرائح الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني وآرائه السياسية، وبما يعزز الوحدة الوطنية باعتباره إعلامًا يعبر عن المواطنين كافة.
وأكد "أمان" أن نجاح أي عملية إصلاح للنظام القائم على إدارة شؤون الدولة في فلسطين يتطلب تولِّي لجنة وطنية الإشراف على عملية الإصلاح تتكون من شخصيات عامة تتمتع بالنزاهة والحيادية والاستقلالية وبالخبرات الكافية أو من شخصيات عملت سابقًا في الإدارة العامة، وتحظى بثقة واحترام المواطنين الفلسطينيين، بهدف تعزيز ثقة المواطنين بجدية الإرادة السياسية في عملية الإصلاح.
وذكر أن اللجنة المُعلن تشكيلها بتركيبتها الحالية تعد لجنة حكومية فقط وليست مشكلة على صعيد وطني لكونها لا تضم شخصيات من خارج العمل الرسمي ومن القطاعات المختلفة أيضًا، ما قد يثير التخوف من أن تكون عملية الإصلاح شكلية وليست جوهرية وأن تؤدي إلى استمرار ضعف نزاهة الحكم القائم وحماية أقطابه المتنفذين.
ودعا إلى تحديد أهداف ومهام واضحة للجنة وسقف زمني لإنجازها، فضلًا عن تحديد آليات مساءلة واضحة على أعمالها، وأهمية اعتماد مبادئ الشفافية في عملها تجنبًا لأي تضارب في المصالح، ولحق المواطن الفلسطيني في الاطلاع على مجريات عملية الإصلاح التي يجب أن يكون هدفها النهائي هو المصلحة والمنفعة العامة.
ونبه الائتلاف إلى أن المهام المذكورة بقرار تشكيل اللجنة عامة وفضفاضة، "إذ اقتصرت على مراجعة القوانين والهيكليات دون فحص الممارسات".
ورأى أنه لا بد من تقييم وفحص ممارسات المسؤولين ومساءلتهم عن أي تجاوزات في استخدام المنصب العام أيضًا.
وشدَّد على وجوب أن يتحمل مجلس الوزراء مسؤولياته في عملية الإصلاح، "فما جاء في قرار تشكيل اللجنة من مهام يتقاطع قاطعًا جليًّا وواضحًا مع مهام مجلس الوزراء الفلسطيني التي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني وتحديدًا في المادة (69)".
وأكد الحاجة الحقيقية المُلحة لإصلاح النظام القائم وإنهاء الانقسام وإعادة الحياة الديمقراطية لفلسطين، كما أكَّد ضرورة إعادة النظر بالجهة المُكلفة بذلك وتحديد الأهداف والأولويات وفقًا لما تضمنته هذه الرسالة كي لا تنتهي هذه الفرصة إلى تكريس هيمنة مراكز النفوذ الذي سيؤدي إلى مزيد من الانزلاق في مستنقع الفساد السياسي.