نجح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في عقد المؤتمر السابع لحركة فتح، الذي لطالما كان يرمي من خلاله، بحسب محللين سياسيين، إلى تحقيق جملة من الأمور من أهمها، إغلاق الباب تمامًا في وجه خصمه اللدود القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان في تولي أيًا من المناصب القيادية الحركية أو حتى في السلطة.
ويؤكد المحللان السياسيان لصحيفة "فلسطين"، أن فتح ما زالت تتكتل خلف رؤية سياسية عبر عنها وتبناها عباس منذ عقود طويلة، عادين إعادة انتخابه زعيمًا لحركة فتح خلال انطلاق أعمال المؤتمر السابع في رام الله أمس، مؤشرا خطيرا ربما يقود إلى صراعات فتحاوية داخلية أشد في المرحلة القادمة.
ويأتي انتخاب عباس رئيسًا لفتح في ظل حالة انقسام داخلية شديدة تعصف بالحركة، واستبعاد نواب عن الحركة في المجلس التشريعي من حضور المؤتمر، إضافة لإعلان عدد من القيادات الفتحاوية عدم المشاركة في المؤتمر.
فتح والمجهول
الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن يقول لـ"فلسطين": "إن انتخاب عباس إعادة تموضع لذات الرجل من خلال المؤتمر، بإضفاء مزيد من الشرعية التنظيمية لشخصيته كرئيس لفتح والسلطة فيما بعد، وهذا ما يُخطِط له.
وأضاف محيسن، أن انتخاب عباس مجددًا "مؤشر خطير لأنه إذا ما شغر هذا الموقع بوفاته أو استقالته فإن فتح ستذهب إلى المجهول".
وعزا سبب "عدم وجود منافس" أمام عباس في الميدان هو أن فتح حتى اللحظة لا يوجد لديها بدائل في الشخصيات التاريخية للحركة التي تستطيع أن تملأ الفراغ فيما لو تنحى عباس، مستبعدًا أن تستطيع فتح دعم أي منافس في وجه عباس في هذا المنصب المتقدم فيما لو رغب أحدهم في الترشح للمنصب.
في المقابل، هناك خسارة فادحة –وفق محيسن– في موضوع البنية الذاتية الوطنية لفلسطين من خلال الواقع الحالي المتشرذم، وقال: "إن فتح تقول للكل الفلسطيني بانتخاب عباس رئيسًا لها أنها ما زالت على طريق التسوية مهما مضى الزمن وبلغت الانتقادات ضد البرنامج، وهذا جانب سلبي يؤثر عليها".
كذلك انتخاب "أبو مازن" -حسبما يقول محيسن- يعطي خصمه دحلان فرصة إضافية للبقاء في حالة العداء المستمر للرجل، لافتًا إلى أن الأيام والأشهر القادمة ربما تشهد مزيدا من الاحتقان والتشقق في أوساط فتح.
وحول مخرجات المؤتمر السابع، أوضح أن معظم التسريبات التي وردت عبر لقاءات مع قيادات وازنة في فتح فيما يتعلق بأدبيات البرنامج السياسي للمؤتمر أنه "لا توجد نقطة لافتة للانتباه".
وبين أن المخرجات "تنص على التأكيد على وحدة فتح، والبرنامج السلمي في مقارعة الاحتلال، وتبني المقاومة السلمية أو "الشعبية" كما يسميها عباس، وتفعيل الجانب القانوني في المحافل الدولية، ودعم توجهات السلطة للمنظمات الدولية".
ويعتقد محيسن أن تلك المخرجات ليست ذات قيمة كبيرة تدلل على وجود تحول في فتح، وتابع: "هذا المؤتمر تظاهرة شعبية لفتح لإعادة لملمة الإطار الخارجي والبنية الأساسية للتنظيم بعدما حدث من تفكك داخل البنية القيادية والأدبية والمناطقية للتنظيم".
وأشار إلى أن الخوف بعد المؤتمر أن تنقسم فتح لحركتين، لافتا إلى أن المؤتمر أريد منه تثبيت الأعمدة الرئيسة كتنظيم موحد، لكن الحقيقة أن قيادة فتح لن تحصل على هذا التثبيت لأركان التنظيم العام في ظل بقاء الخصوم (تيار دحلان) والقوة التي يتمتعون بها والدعم الذي يتلقونه إقليميا ودوليا.
نفس المسار
من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح د. رائد نعيرات: "إن انتخاب محمود عباس رئيسا لفتح كان متوقعا، لأنه دار الحديث خلال الفترة السابقة عن الآلية والطريقة التي سيتم فيها انتخابه، فكان المفاجئ ألا يتم انتخابه".
وأضاف نعيرات لصحيفة "فلسطين": "أن فتح ستبقى تعيش بنفس المسار السياسي ونفس العقلية التي قادتها منذ المؤتمر السادس للحركة وحتى اليوم".
والإشكاليات التي واجهت فتح، في المؤتمر السادس هي ذاتها التي تواجهها في المؤتمر السابع على صعيد العلاقات الداخلية للحركة، إضافة للعلاقات الوطنية والدولية، وفق نعيرات، الذي أوضح أن المؤتمر السادس جاء بموضوع مؤتمر "السلام الاقتصادي" ومؤتمر أنابوليس حول التسوية في الشرق الأوسط الذي عقد برعاية أمريكية، مشيرا إلى أن فتح اليوم تعيش أزمة في الأفق السياسي.
ورأى أن البرنامج السياسي لفتح سيستمر بنفس الطريقة الحالية، ولكن من الممكن أن تشتد حالة الصراع الداخلي الفتحاوي، وظهور تنظيم جديد، إلا أنه بين أن فتح تعاني من هكذا حالات منذ زمن، رغم أنها تدعي أنه لا يمكن أن ينمو جسم خارج جسمها.