عرفت بمشروعها الإبداعي وإنتاجها الثقافي الذي أضاء الذاكرة وأشعل المكان، إنها الكاتبة الفلسطينية ليلى الأطرش التي ترجمت بعض أعمالها الروائية وقصصها القصيرة إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والكورية والألمانية حتى لغة العدو "العبرية"، بعضها دُرس في الجامعات الأردنية والعربية والأمريكية، وقد كرست نفسها لرصد معاناة المرأة العربية في أعمالها الروائية والأدبية.
في صباح 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 فقد المشهد الثقافي الروائية الأطرش في أحد مستشفيات العاصمة عمان، عن عمر ناهز 73 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض.
عرفت الأطرش بدفاعها القوي عن الثقافة العربية، وشخصت الواقع الثقافي الأردني دون مواربة، وكشفت عن بعض الأسرار التي لا تزال مبهمة حتى الآن لسطوة أبطالها وتأثيرهم، وأجابت عن كثير من القضايا، مطالبة بالتحدي والصمود أمام الآخر، وليس التقوقع داخل الذات.
كرست الأطرش كتاباتها للدفاع عن القضايا الإنسانية والاجتماعية، ورصدت معاناة المرأة العربية عبر رواياتها التسعة، وغيرها من الأعمال الأدبية والمقالات والتحقيقات الصحفية والبرامج التلفزيونية، وأخيرًا الكتابة للمسرح، بصفتها محررة لموقع حوار القلم، دعت إلى نبذ التطرف والعنف الاجتماعي والفكري، ونشر قيم التسامح بين الجنسين والتعايش وعدم التمييز، وكسر العديد من المحرمات بإثارة القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل، ودافعت عن حرية التعبير، وعملت على تغيير الصورة النمطية للعرب والمسلمين بين كتاب العالم.
النشأة والتكوين
حازت الكاتبة الفلسطينية المولودة في بيت ساحور عام 1948 الإجازة في الحقوق ودبلومًا في اللغة الفرنسية، وعملت أستاذة للأدب في جامعات أردنية وعربية وفرنسية وأمريكية، وتناولت العديد من الرسائل الجامعية أعمالها الإبداعية المختلفة.
والأطرش هي زوجة الأديب المترجم الراحل الدكتور فايز الصياغ الحاصل على العديد من الجوائز في حقل الترجمة.
شغلت الأديبة الراحلة عضوية منتدى الفكر العربي، ورابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب، واللجنة الوطنية العليا لمشروع "مكتبة الأسرة" التابع لوزارة الثقافة بين عامي 2007 و2009، وكانت رئيسة اللجنة الإعلامية فيه عامي 2007 و2008.
وساهمت في إطلاق مشروعي "مكتبة العائلة" و"القراءة للجميع" في الأردن عام 2007، وحصدت برامجها الأدبية والاجتماعية عدة جوائز في المهرجانات الإذاعية والتلفزيونية.
وفي التقرير العربي للتنمية البشرية لعام 2015 اختيرت الأطرش واحدة من الكاتبات القلائل اللائي أثرن في مجتمعاتهن، واختارتها مجلة "سيدتي" النسخة الإنجليزية عام 2008 واحدة من 60 امرأة ناجحة في العالم العربي.
الأعمال والجوائز
ومن أعمالها الروائية: وتشرق غربًا، وامرأة للفصول الخمسة، ويوم عادي وقصص أخرى، وليلتان وظل امرأة، وصهيل المسافات، ومرافئ الوهم، والأعمال الكاملة أمانة عمان، ورغبات ذاك الخريف، وأبناء الريح، وترانيم الغواية، ولا تشبه ذاتها 2019.
أما الأعمال المسرحية فهي: أوراق للحب، والبوابة 5، وزرقاء اليمامة، وفي ظلال الحب، ونساء على المفارق.
وقد حصدت الروائية الأطرش عدة جوائز، كجائزة الدولة التقديرية في الأدب في فلسطين 2017، ورشحت روايتها "ترانيم الإغراء" لجائزة البوكر العربية لعام 2016، وأيضًا جائزة الدولة التقديرية في الأدب في الأردن 2014، والجائزة الأردنية لأفضل روائي أردني عن فيلم "أمنيات الخريف" 2010، ومنحة إبداع السبت الأردنية 2008.
أيضًا حصلت على الجائزة الذهبية عن إعداد وعرض الفيلم الوثائقي "يهود المغرب" بمهرجان القاهرة، والجائزة الفضية عن إعداد وتقديم البرنامج الوثائقي "عرار شاعرة ثورية" في مهرجان دول الخليج العربي بالبحرين.
آمنت الأطرش في سن مبكرة باستقلالية المثقف، إذ رفضت عضوية المجلس الوطني الفلسطيني حين كانت في السنة الجامعية الأولى بجامعة بيت لحم؛ إذ قالت في حوار صحفي سابق: "أؤمن بأن الإنسان المستقل يستطيع أن يكتب بحرية (...) وإلا فسيضطر لتبني وجهة نظر أي حزب أو منظمة ينتمي إليها، حتى لو كانت على خطأ، لذلك رأيت نفسي دائمًا كاتبة مستقلة، لأن المستقل يستطيع مهاجمة أو انتقاد من يشاء".
وعن مسارها المهني قالت: "عملي في الإعلام أتاح لي مناقشة ولقاء رموز الوطن العربي، والبحث والسفر لتصوير أماكنهم، والاطلاع اليومي المباشر على الأحداث، ما يذاع منها أو ما يمنع، وحصاد الشهرة الفورية".
واستدركت: "أما الرواية فهي أنا، رؤيتي للعالم، وهي ما سيتبقى مني؛ فالإعلام استهلاكي، أما الرواية فلو أتيح للقراءة أن تبقى فستظل بين يدي الناس ما وجدوا، هل هذا من أحلام اليقظة؟ ربما!"
خسارة للمشهد الأدبي
وعدّت الكاتبة جهينة الخطيب رحيل الروائية الفلسطينية الأطرش "خسارة للمشهد الأدبي"، فقد كان آخر تعاون بينهما حين شاركتها في ملف من إعدادها تناول أدب الشتات، وقالت: "خسر المشهد الأدبي مبدعة ستظل نتاجاتها الأدبية شاهدة على إبداعها، ويؤسفني أنها لن ترى بحثي عنها الذي كنت أعده، فعلًا المبدعون يرحلون ولكن بأجسادهم فقط".
أما الكاتب الأردني يحيى القيسي فعد يوم رحيلها مؤلمًا وخسارة كبيرة، "ولكنها باقية بكتاباتها وإنسانيتها وفكرها الراقي وسيرتها الحياتية والإعلامية والأدبية المميزة وروحها السامية".
وأضاف: "كان لي شرف العمل معها في تأسيس رابطة القلم الدولي فرع الأردن للدفاع عن مضطهدي الرأي في العالم منذ عام 2008، إضافة إلى لقاءات وحوارات كثيرة في عالم الثقافة والفكر".
في حين عدّها الروائي الفلسطيني يحيى يخلف "واحدة من رموز الأدب الفلسطيني والعربي والإنساني، وقيمة وقامة ثقافية ووطنية وإنسانية".