"تستوقفني كثيرًا القضايا الإنسانية والمجتمعية، لا أعرف لماذا، أشعر بمسؤولية دائمة تجاه هذه القضايا، مؤخرًا بحثتُ في أكثرها خطورةً، فوجدت حرمان الحياة (القتل) لماذا وكيف ومن المسؤول؟! وكثيرة هي التساؤلات حول هذا الأمر".
في الفقرة الثانية من نص ملصق على جدار مدخل المعرض ينقلك فيها الفنان محمد أبو حشيش إلى الإجابة عن تساؤلاته السابقة: "اهتديت أخيرًا إلى خيطٍ حساس في هذه المسألة، وهو ظاهرة يبدو انتشارها واضحًا، وآثارها على الفرد والأسرة والمجتمع واضحة بلا شك، ظاهرة التفكك الأسري التي تعد من أخطر الظواهر التي تهدد النواة الأساسية للمجتمع وتمزق نسيجه؛ فلاحظت أن أحد أهم أسباب جريمة القتل هو التفكك الأسري".
في معرض "النواة" الذي افتتح أعماله في 14 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتمد الفنان محمد على الأقفال اعتمادًا أساسيًّا، لإنتاج مجموعة من الأعمال الفنية المنحوتة والمركبة من الكرتون والفلين ومواد أخرى.
بدت تفاعلات وانفعالات مرتادي المعرض واضحة على جدرانه، حيث خصص لذلك مساحات ورقية بيضاء على جدران المعرض، بغرض كي استكشاف ردود أفعالهم حول قضايا جرائم القتل في قطاع غزة.
ويستمر المعرض الذي تنظمه مؤسسة "شبابيك" للفنون التشكيلية حتى 25 من الشهر نفسه.
ويقول محمد إنه وجد في "النواة" الاسم الأنسب لإيصال رسالة وفكرة المعرض، "وقد لا يخطر ببال زائر المعرض أن المقصد هنا هي الأسرة، التي تشكل نواة المجتمع".
وتحمل الأعمال تساؤلات حول مفهوم القفل بصفته أيقونة تعني الغلق والإحكام، وكيف بدأ مفهوم القفل يتغير وينحرف من استخدامه كأداة للمحافظة على الخصوصية والممتلكات الثمينة، إلى أداة اعتداء على الحقوق وتقييد الحريات ومحاصرة الفكر والأفعال، كما يضيف.
وقد وظف الفنان محمد القفل لإثارة تساؤلات الزائرين بعدما طبع عليها أخبارًا لجرائم قتل هزت المجتمع.
ومن بين المعروضات مجسم لقفلين تداخلت حلقتاهما"، تلتف عليهما أوراق صحف طبع عليها "قتل مواطنة على يد زوجها"، "وشاب يقتل والده".
تفسيرات مشفرة
ولا أحد يمكن أن يعطي تفسيرًا دقيقًا لدلالة الأقفال أكثر من الفنان ذاته، يفك الرسائل المشفرة لصحيفة "فلسطين" لحظة استقبالنا قائلا: "الأقفال بمصطلحها دائمًا مغلقة ككتلة قوية لها رمزية في حياتنا، وإذا أردنا الحديث عن الحصار فهو أكبر القيود، فأخذت القفل أيقونةً ترمز إلى الجهل والعصبية".
وبشأن القفلين المتداخلين، يوضح الفنان محمد أن تداخل الحلقتين يظهر أن هناك عقدة تحتاج إلى حل، وتحتاج منا للتفكير في كيفية حل هذه العقدة التي نملك مفتاحها".
ويشير إلى أنه "ليس من السهل على الزائر الوصول لهذه القراءة، وهذا ما أردت قياسه على شريط التفاعل الورقي الأبيض على جدران المعرض".
أحد الزوار رسم على الشريط قفلا وكتب بجانبه حديثا نبويًا: "استوصوا بالنساء خيرًا"، في حين رسمت فنانة تدعى عطاف، حلقته على الجانب الأيمن بداخلها وجه إنسان مشوه وكتبت: "لا للعنف الأسري.. لأنه يجعل من ربة المنزل مخلوقًا مشوهًا".
ويلفت إلى أن للكرتون رمزية، فهو يشير إلى هشاشة المجتمع في ظل هذا الواقع، ويجعل الجريمة ثقيلة عليه.
أقفال متعددة
للأمام قليلا، تتدلى أقفال رمادية من سقف المعرض الأسود الذي تزينه مصابيح صفراء متوهجة، تتحرك الأقفال المصنوعة من الفلين مع تيار هوائي تولده مروحة، كل هذا لم يكن عبثًا، إذ يقول الفنان محمد: "تعدد الأقفال إشارة إلى كثرة القضايا التي تعصف بالمجتمع، واستخدمت اللون الرمادي لتعميم الفكرة في هذه الزاوية، فهي تدلل على الفقر، العنوسة، المشكلات الاجتماعية وغيرها، وليس القتل فقط".
ويتابع: "ربطت الأقفال بحبال متدلية لتكون قريبة من رؤوس الزوار، وفي ذلك دلالة على أن تلك القيود تحتك فينا وتلاصقنا يوميًا حتى لو كانت خفيفة".
في آخر المعرض قفل كبير حلقته مغلقة مصنوع من الكرتون جعله مساحة تفاعلية للزائرين ليعبروا عما يجول بداخلهم فكتبوا عن الحصار، والحب، والفقر وتحرروا من القيود الذاتية.
وباتجاه اليسار ترى قفلا صغيرًا مذهب اللون تأخذ نهاية حلقته شكل كفة اليد وكأنها ترفض الدخول في قاعدة القفل، "وهذه دلالة على علاقة القفل بالإنسان وليس بالجماد، أي أيدينا التي تبطش وتقتل، ومتى أردنا فك القفل يجب رفع أيدينا".
آخر المجسمات قفل صغير مذهب اللون على شكل كتاب، تغلقه ستة أقفال صغيرة، يفسر كل ذلك: "الكتاب يرمز للكتب السماوية التي تحرم القتل، والأقفال الستة هي لست آيات قرآنية تحرم القتل".
محمد الذي استغرق عمله الفني عامًا كاملا بشكل متقطع، من مواليد عام 1988م وهو من سكان مدينة رفح يعمل مدرسًا للنحت في جامعة الأقصى ومدربا في المجال نفسه لدى العديد من المؤسسات الثقافية.
حصل محمد على جائزة مهرجان غزة الأول للفن التشكيلي في مجال النحت 2013، وله مشاركات في العديد من المعارض الفنية المحلية والدولية منها: الأردن ودبي، ونظّم معرضا شخصيا بعنوان "كرامات" عام 2016 والعديد من الأعمال النحتية الأخرى.