لم تنتهِ معاناة الأسيرة نسرين أبو كميل، بعد ستة أعوام أمضتها داخل سجون مظلمة، لتزيد سلطات الاحتلال الإسرائيلي معاناتها، وترفض السماح لها بالوصول إلى قطاع غزة عبر حاجز بيت حانون "إيرز" شمالي القطاع، والالتقاء بأطفالها.
وفي الجهة المقابلة للحاجز يقف أبناء المحررة أبو كميل وزوجها منذ صباح الأحد الماضي لاستقبالها، لكنهم صُدموا بقرار الاحتلال منعَها اجتيازَ الحاجر واحتضان أبنائها بعد سنوات الأسر الطويلة.
ويمتنع الاحتلال عن إصدار تصريح يتيح لها الدخول إلى غزة، ولم شملها بأفراد عائلتها الذين حرمت من زيارتهم طوال سنوات الأسر.
تعنت إسرائيلي
ذرفت "نسرين" دموعا ممزوجة بالفرح والحزن وهي تتحدث لأول مرة مع أطفالها وزوجها، الموجودين على جانب الحاجز عبر مكالمة فيديو من هاتف أحد المتضامنين معها، وهي تقول لهم: "لا تقلقوا أنا بخير، اشتقتلكم، مش راح أترك المكان إلا وأنا معكم".
وسرعان ما علت تكبيرات أبناء المحررة "نسرين" وزوجها وهو يشاهد زوجته وأطفاله يبكون بانتظار قدوم أمهم، في محاولة منه لرفع معنوياتهم والتأكيد أنهم سيلتقون بها قريبًا.
والأسيرة أبو كميل من مواليد مدينة حيفا بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ومتزوجة منذ عام 2000 من حازم أبو كميل في قطاع غزة، وأم لسبعة أطفال.
وقف أبناء أبو كميل أمام الحاجز في الجهة الجنوبية، على بعد أمتار من أمهم، تفصل بينهم أسلاك شائكة وأسوار إسمنتية إسرائيلية شاهقة، بانتظار السماح لها باحتضان أطفالها واصطحابهم إلى بيتها الذي لم يدخله الفرح طوال الأعوام الستة الماضية، والقول لأميرة أبو كميل.
وتتنقل أبو كميل 17 عامًا، ابنة "نسرين" مسرعة، ويزيد خفقان قلبها كلما رأت أحدًا قادمًا إلى بوابة الحاجز لعله يكون أمها، لكن سرعان ما تشعر بالإحباط بعد أن تكتشف أن القادم لم يكن أمها.
وتحاول أبو كميل النظر إلى هاتفها باستمرار، وتدعو الله عز وجل أن تتصل والدتها لتطفئ نار الشوق في قلبها، وتخبرها بالسماح لها بالمرور، فسرعان ما بدأ جرس الهاتف بالرنين لترد بلهفة: "ألو ألو ماما اشتقتلك، شو صار معك؟ متى حنشوفك؟ " لتخبرها: "الحمد لله، أنا أنتظر أمام الحاجز، وبانتظار الدخول، لا تقلقي يا أميرة انتبهي على حالك، ووين أخواتك؟ هما معك؟"، لتذرف الاثنتان الدموع، وتختمان المكالمة بالدعاء إلى الله عز وجل أن يجمعهما معًا.
وتلفت أبو كميل إلى أن والدتها تتصل بها بين الفينة والأخرى بواسطة بعض المرضى أو التجار المغادرين القطاعَ باتجاه الأراضي المحتلة.
وإلى جوار أميرة تقف شقيقتها ملك (14 عامًا) لترفع من عزيمتها بأن ساعة الفرج قادمة، وما عليهم إلا الانتظار، لعل الساعات القادمة تحمل في طياتها الفرج ويلتقون بأمهم بعد أن حرموا اللقاء.
وتقول أبو كميل لصحيفة "فلسطين": إن الاحتلال يتعمد تنغيص الفرحة على المحررين وذويهم بتأخير لقائهم، مؤكدة أن أشقاءها لن يغادروا الحاجز إلا وأمهم معهم.
ويناشد حازم أبو كميل، زوج المحررة "نسرين" المؤسسات الدولية والحقوقية والإنسانية الضغطَ على سلطات الاحتلال لإنهاء معاناتهم والسماح لزوجته بالوصول إلى القطاع والالتقاء بأطفالها.
ويؤكد أبو كميل لصحيفة "فلسطين" أن أطفاله يرفضون التوجه إلى المنزل دون وجود أمهم معهم، لافتًا إلى أن زوجته لا تزال تمكث في العراء وحيدة أمام الحاجز بانتظار السماح لها بالوصول للقطاع.
صمت دولي
ومن أمام حاجز بيت حانون نظمت جمعية واعد للأسرى والمحررين مؤتمرًا صحفيًا حول منع الاحتلال المحررة أبو كميل من دخول القطاع بعد إطلاق سراحها.
ورفع المشاركون في المؤتمر الذي تَقدمه أبناء المحررة أبو كميل صورًا لوالدتهم ولافتات كتب عليها: "ماما على بعد أمتار من هنا، والاحتلال يرفض كل التدخلات للسماح لها بالوصول إلى القطاع"، وأخرى تطالب المؤسسات الحقوقية والدولية بالضغط على الاحتلال للسماح لأمهم بالوصول إلى القطاع".
ويؤكد مدير جمعية واعد للأسرى والمحررين عبد الله قنديل أن الاحتلال يرفض حتى اللحظة وصول المحررة أبو كميل إلى القطاع، والالتقاء بعائلتها بزعم أنها تحمل هوية إسرائيلية.
ويقول قنديل: إن الاحتلال يحاول عرقلة وصول أبو كميل إلى القطاع والالتقاء بعائلتها؛ للتنغيص عليهم ومنع مظاهر الفرح والاحتفال بعودتها.
ويضيف: إن عددا من الوساطات والمحامين مارسوا ضغوطا على الاحتلال للسماح لأبو كميل، بالوصول للقطاع، لكنها لم تسفر عن شيء حتى اللحظة.
وانتقد صمت المؤسسات الدولية والحقوقية وعدم ممارستها ضغوطا على الاحتلال للسماح لأبو كميل بالوصول إلى القطاع، داعيًا إياها للخروج عن صمتها والوقوف إلى جانب عائلتها، لافتًا إلى أن المحررة "نسرين" ترفض مغادرة الحاجز وتصر على البقاء أمامه لحين الالتقاء بعائلتها.