تضارب كبير تشهده التصريحات المالية لمسؤولي السلطة في رام الله، ففي حين تتحدث عن معاناتها بوجود عجز مالي في الموازنة العامة، تعزوه جهات رقابية عدة في تقارير لها إلى وجود فساد كبير في التعاملات المالية بالسلطة أدت إلى إهدار مئات ملايين الدولارات من المال العام، نجد حكومة اشتية تطلق وعودًا بمشاريع تطويرية بمبالغ مالية هائلة.
ويرى مختصان أن وعود اشتية فارغة المضمون، تأتي لتهدئة الشارع، خاصة بالضفة الغربية، مع تقلُّص الدعم المالي للسلطة بعد فضائح الفساد التي يتوالى الكشف عنها تباعاً.
جذب الدعم الدولي
أحدث تقارير عن الفساد المستشري في مؤسسات السلطة وهيئاتها المختلفة، صدر عن ديوان الرقابة الإدارية والمالية مؤخراً، وقد كشف تفاصيل صادمة بشأن أعمال مؤسسة الضمان الاجتماعي "تأسست عام 2016م"، مبيناً أن إجمالي إنفاق المؤسـسـة بلغ 2,376,891 دولارا على أعمالها منذ تأسيسها، إلا أنها لم تحقق أيًّا من أهدافها.
وبين التقرير ذاته وجود خروقات وتجاوزات لدى المحكمة الدستورية العليا كان أهمها أن نحو 53% من موازنة المحكمة مخصصة للرواتب والمكافآت، نتيجة عدم وجود أسس واضحة وتخطيط منظم لعملية رفد المحكمة بالموظفين.
وأظهر التقرير خروقات وتجاوزات لعدة وزارات حكومية ومؤسسات تابعة للسلطة في العديد من الملفات، خاصة في مخصصات "وقفة عز"، وملف الحج، وهيئة مكافحة الفساد، والتحويلات الطبية.
على النقيض من ذلك، فإن رئيس وزراء رام الله محمد اشتية لم يتوقف عن إلقاء الوعود بمشاريع تطويرية لمدن فلسطينية عدة، حيث وعد الشهر الفائت بتنفيذ حزمة مشاريع بقيمة 30 مليون دولار في الخليل، في حين اعتمد الاثنين الماضي حزمة مشاريع بقيمة 90 مليون دولار لمدينة جنين.
منظومة مخالفات
الخبير الاقتصادي نائل موسى، أعرب عن اعتقاده بأن مشاريع اشتية، إنما هي أفكار لجذب الدعم الدولي، "وأن ميزانيتها غير متوافرة لدى السلطة حالياً، وإنما هي محاولة من السلطة لإرسال رسائل للمانحين بأن لديها رزمة مشاريع تحتاج لتمويل".
وأضاف: "هذه مشاريع تطويرية يمكن جذب تمويل منفرد لها بعيداً عن الموازنة العامة، فهو مجرد تحديد لاحتياجات المدن الفلسطينية حال توافر التمويل".
ولفت إلى أنه في حال استجابت الدول المانحة لتمويل هذه المشاريع فإنها ستكلف جهات رقابية خاصة بها كما درجت العادة لمراقبة تنفيذها، الأمر الذي لن يسمح بالتلاعب بها، كما يحدث في إيرادات السلطة المحلية التي كُشف عن الكثير من شبهات الفساد فيها مؤخراً.
بدوره عد الخبير القانوني بسام القواسمة أن تقارير الكشف عن فساد مؤسسات السلطة جزء لا يذكر من الفساد الإداري والمالي والسياسي الموجود، "هناك منظومة من المخالفات القانونية على كل المستويات والأصعدة وإهدار المال العام والموازنة العامة".
وأشار القواسمة إلى أن غياب السلطة التشريعية "بتعطيل المجلس التشريعي" والقضائية والرقابية يعزز الفساد وإهدار المال العام، حتى إن رواتب باهظة تدفع لمواطنين ليسوا على رأس عملهم.
وبين أن عدم وجود قانون يضمن للجهات الرقابية الوصول للمعلومة، بخصوص المصاريف الخاصة بالموازنة العامة، يجعل الأمور المالية للسلطة غير واضحة وطي الكتمان.
وعدّ أن ضمان حق الجهات الرقابية بالوصول للمعلومة يسهم بوجود رقابة على المصروفات ويمنع بصورة كبيرة الفساد الإداري والمالي، "لكن للأسف عدم وجود سلطات شرعية لدينا وسطوة السلطة التنفيذية على القضائية يخلق بيئة للفساد ولإهدار المال العام وعدم التزام القوانين".
فقدان الثقة
ورأى القواسمة أن هذا الفساد جعل المجتمع الدولي يفقد الثقة بالسلطة، خاصة بعد تعطيل رئيسها الانتخابات التشريعية في مايو الماضي، فعمدت الجهات المانحة إلى تجميد أو تقليل مساعداتها المالية للسلطة، عادًّا أن استمرار السلطة بهذه الإدارة سيؤدي بالوضع الفلسطيني إلى المجهول.
وبيّن أن "فساد السلطة" يورث للأجيال اللاحقة القروض وفوائدها، بسبب السياسة غير الرشيدة في الإنفاق، لذلك وعود اشتية بمشاريع لمدن فلسطينية "ذر للرماد في الأعين، وإلهاء للمجتمع عن الحديث في فساد ووضع السلطة المالي بوعود جوفاء تناقض إمكانات السلطة المالية وديونها التي تغرق فيها".