فلسطين أون لاين

يتحدى مرضه وألمه ليمارس شغفه في الحياة

رمضان بشير.. فنان يضيف للنفايات المعدنية والخشبية "روحًا جديدةً"

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بألوانه النحاسية الشبيهة بـ"الجنزارة الخضراء"، تتوزع لوحاته الفنية ومنحوتاته وأعماله الزخرفية على زوايا منزله، مسكونة بالكثير من الدلالات والمعاني. في تفاصيلها رائحة التراث الفلسطيني وعبق الماضي المتجذر في قلبه، ينتج من بقايا الحديد والخردة والأخشاب لوحات صديقة للبيئة متحديًا مرضه وظروف الفقر التي وجد نفسه غارقًا بين قضبانها.

يجول رمضان بشير (41 عامًا) بين ورش الحدادة والنجارة في محافظة خان يونس حيث يقطن، ليأخذ بقايا الأشغال والمصنوعات الحديدية والخشبية. وبين ورشة وأخرى يجمع ما يجده في طريقه من أسلاك محولًا كل ذلك إلى لوحات فنية تبهج من يشاهدها.

22.png

 

من بين أعماله الفنية لوحاته، مسنة فلسطينية بعينين واسعتين ترتدي ثوبًا تراثيًّا، تسكب القهوة في الفنجان، وبيوت فلسطينية قديمة تحيط بقبة الصخرة والمسجد الأقصى، وأشجار الزيتون، والبرتقال، وكذلك البحر.. كل لوحةٍ تقرؤها بصيغة مختلفة.

رسائل ومعانٍ

في إحدى لوحاته، سيدة تبكي بجوار القدس وحيدةً وهي ترى الاحتلال يستفرد بها، وفي أخرى طفلةٌ صغيرة تضع إلى جوارها رغيفين من الخبز وحبتين من البندورة تتأمل في مفتاح العودة الذي تركه لها جدها. أما البندقية في منحوتاته فهي صديقة المقاوم الذي لا تفارقه، وموقد النار وصباب القهوة هي أجمل ما يزين الجلسات العائلية.

من بقايا مادة الفلين المستخرجة من أبواب "الثلاجات" صنع العديد من البراويز بعدما أضاف إليها الصمغ ومن ثم رشها برمال البحر، تاركًا لأنامله تشكيل اللوحة بشفرات حادةٍ، ظهرت معالمها بعدما طلاها بمزيج من ألوان الأخضر والأسود والأصفر والأحمر.

وبخفةٍ ومهارة عاليةٍ يمسكُ الأسلاك الحديدية الملتوية، ليخرج من هذا التشابك الدقيق طائر بشوكتين شكلتا الجناحين، وفي أخرى مجسم لدراجة تجر خلفها عربة تتسع لباقة ورد، على حين يصنع مجسمات لقوارب صيد لا تختلف عن الحقيقية.

يمضي رمضان وقته في حين يحكم المرض سيطرته عليه، فهو يعاني "الغضروف" و"السكر البولي"، لكنه لم يرفع راية الاستسلام أمام الفقر الذي يكبله، وهذا ما يرفض الاستسلام له في رحلة البحث عن شغفه، متجاهلًا نداءات المقربين: "سيبك منه، فش منه لقمة عيش!".

البحث عن الذات

لمس رمضان ما قيل له حقيقة في واقعه بعدم مشاركته بعدة معارض لم تفتح الطريق لاحتضان إبداعه، وبنبرة يأسٍ يقول: "توقع بموهبتي وقدرتي على رسم أي شيءٍ وتشكيل ونحت أي عمل فني من العدم أن أجد من يحتضني في يومٍ من الأيام، لكن اليوم الذي انتظرته لم يأتِ وهَأَنا أنتظر على أبواب ورش النجارة والحدادة لأجمع المخلفات وأمارس شغفي في إنتاج أشكال فنية".

وفي بيت صغير الحجم مسقوف بالإسبست، يبحث رمضان عن وقتٍ للهدوء بعد نوم أطفاله، يختلي بموهبته بعيدًا عن الضجيج وصخب الحياة، يقضي ساعاتٍ طويلة بين ما يصفه الناس بـ"الخردة"، لكنها بالنسبة إلية مادة خام لتحف فنية.

ورغم الأمل الذي بدا يتلاشى في نظرته للواقع الذي يعيشه إلا من بصيص لا يزال يشرق بداخله، يمني رمضان نفسه بأنه سيأتي ذلك اليوم الذي يذاع في اسمه وتقدر أعماله.