تتعرض حركة حماس (لهجوم سياسي وإعلامي) ممنهج وغير أخلاقي، تقف خلفه قيادات من السلطة وحركة فتح في رام الله، الهجوم يأتي في ظروف بالغة التعقيد والخطورة، وفي ظل تنامي مستوى التهديدات التي يمكن أن تنال من المشروع الوطني برمته، وتمثل ذلك في: سيل من "التصريحات، والمواقف العدائية، والحملات الممولة عبر وسائل التواصل" والتي تُضخ بزخم كبير ومنظم؛ لتحقيق أكبر قدر من الانتشار في المنصات والمواقع المختلفة، الأمر الذي يثير تساؤلات عدة حول توقيت الهجوم، وأهدافه، وسياقاته، والرسائل التي تريد السلطة وفتح إيصالها لـ"حماس" بشكل خاص، وللكل الوطني بشكل عام، وللأطراف العربية كذلك.
فاختيار التوقيت لم يكن عبثيا من هؤلاء؛ لأن السلطة وحركة فتح تعيش واقعا صعبا للغاية خصوصا بعد التورط في عدة انتكاسات متتالية منها: "تأجيل الانتخابات، وقتل المعارض السياسي نزار بنات، واحتدام الخلاف بين ورثة عباس، ومؤخرا التورط في تعاون أمني لتسليم أسرى نفق الحرية"، فضلا عن تآكل شعبيتها أمام "الجمهور الفلسطيني" الذي عبر بسخط في استطلاع أجراه "المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات في رام الله، تجاه أداء السلطة وحركة فتح، حيث رأى 53% بأن حماس لها الأحقية في تمثيل الشعب الفلسطيني، في حين طالب 80% من الفلسطينيين عباس بالاستقالة من منصبه.
لذلك جاء هذا الهجوم؛ بسبب الخشية من تقدم حركة حماس وسيطرتها على المشهد السياسي خصوصا بعد ما حققته من نصر عسكري في المعركة الأخيرة "سيف القدس"، وظهرت أهدافه في أنه؛ محاولة لإشغال الرأي العام، ورفع مستوى التحريض ضد حركة حماس، والتأثير في حاضنتها بعد تقدمها في الاستطلاعات الأخيرة، وممارسة مزيد من الابتزاز لإجبارها على الرضوخ لانتخابات مجتزئة لا تلبي الحد الأدنى من المتطلبات الوطنية.
ويأتي ذلك أيضا في سياق التضييق على الحركة، ومنع تقدمها باتجاه عمقها العربي والإسلامي، وإفقادها أي فرصة للنهوض بالمشروع الوطني وقيادته، وفي إطار (تأبيد حاكمية الحزب) الواحد للسلطة، وهذا بدوره يعكس مدى الرغبة في الاستفراد بالقرار الوطني، وعدم السماح بوجود أي منافس سياسي قوي يمكن أن يشكل مصدر قلق لهؤلاء الحالمين بالبقاء على صدور الشعب الفلسطيني إلى عقود قادمة.
كل ذلك يجري مصحوبا "بحزمة غير بريئة" من الرسائل الحزبية التي لا تراعي أي قدر من المسؤولية الوطنية، فهؤلاء السادة يمارسون "فوقية مقززة" مع كل المكونات الوطنية ولا يحترفون سوى لغة المراوغة والتلاعب بالتصريحات، وتسخيف أي جهد للمجموع الوطني برمته، فلا يؤمنون بشراكة أو مشروع وحدة، إنما تثبيت (دعائم الاستبداد) وتقديس مشروع التسوية، وتجريم أي فعل خارج هذا الإطار، والخوض في مغامرات يعتقدون أنها إنجازات على طريق التحرر لكنها في الحقيقة مجرد قفزات في الهواء.
فرسالتهم لحماس أنه لا يمكن السماح لك بالتقدم أكثر من ذلك، فهذه الساحة لنا ويمكننا اللعب فيها كيفما نشاء، وما عليك سوى الطاعة العمياء وإلا ستدفعين الثمن بصور مختلفة، ويقولون في ذات الوقت للكل الوطني إن طريقكم مع حماس شائكة ومؤذية ولن تؤدي إلى أي نتائج سياسية وما يحدث اليوم هو خطوة مصغرة عما يمكن أن يحدث لكم ولقياداتكم التي باتت تقترب من حماس أكثر من أي وقت مضى، وللعرب أفيقوا فهؤلاء خرجوا من مشروع مناهض لكم في المنطقة وأي حوار أو اتصال معهم لن يجلب لكم الخير، ولا يمكنكم تجاهل السلطة وحركة فتح التي يمكنها أن تقدم لكم ما يتناسب مع مشاريعكم في المنطقة بعيدا عن حركة حماس الإخوانية.
لكن مصارعة الثيران التي يمارسونها لن تحقق أيًا من أهدافهم التي يسعون لتحقيقها، فالقطار غادر محطته مسرعا في حين أن هؤلاء جاؤوا في الموعد والمحطة الخطأ، لذلك عليهم التودد طويلا للشعب الفلسطيني علهم يرممون الصورة المشوهة التي ارتسمت لهم في كل المحطات وآخرها المعركة الأخيرة حينما بقوا كشاهد الزور دون يضطلعوا بأي دور وطني كانت تفرضه عليهم المعركة، سواء كان ذلك سياسيًا أو دبلوماسيًا أو ميدانيًا يمكن أن يعزز الدور البطولي الذي رسمه شعبنا ومقاومته الباسلة.