تُخيِّم حالة من الغموض على مقر المقاطعة بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، بشأن صحة رئيس السلطة محمود عباس، وسط تكتيم إعلامي من وسائل إعلام السلطة على ما يجري خلف الكواليس.
وعلى الرغم من إعلان مصادر إسرائيلية وعربية أنباء تفيد بتدهور صحة عباس، إلا أن الرئاسة ما زالت تلتزم الصمت ولم تصدر توضيحاً بهذا الخصوص حتى اللحظة.
ومنذ عدة سنوات يواجه الثمانيني عباس تدهوراً كبيراً في حالته الصحية، ففي مارس عام 2018، عُيِّن اختصاصي في أمراض القلب بمقر المقاطعة في رام الله، لمراقبة وضعه الصحي، وذلك في أعقاب زيارة سرية إلى مستشفى في الولايات المتحدة، حيث بدا منهكاً في أثناء خطابه أمام مجلس الأمن في حينها، وفق مسؤولين طبيين ورسميين.
ولعباس تاريخ طويل في المشكلات الصحية، بسبب اضطرابات في القلب ومشكلات من سرطان المثانة، إضافة إلى تعرضه لكشف صحي في مستشفى رام الله، لتبديد الشائعات عن تعرضه لجلطة دماغية آنذاك، كما يعاني عباس انسداد شريان، ورُكبت شبكية له.
وفي الخامس من أبريل/ نيسان الماضي، غادر عباس المقاطعة برام الله، على متن طائرة أردنية متوجهاً إلى العاصمة الأردنية عمان، ليسافر بعدها إلى ألمانيا بهدف إجراء فحوص طبية.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي خالد صادق أن هناك حالة من التستر على الحالة الصحية لعباس، بهدف محاولة إخفاء عجزه عن ممارسة الحكم، في أعقاب خروج الشارع الفلسطيني لمطالبته بالاستقالة وإقالة حكومة اشتية.
وأوضح صادق خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين" أن السلطة تنتهج سياسة التكتم حتى لا تضعف صورته في الساحة الفلسطينية.
وقال إن السلطة تسعى للمحافظة على قوتها وتماسكها في حال غياب عباس، في ظل توقعات باشتعال الصراع بين مقربين من "أبو مازن" وقيادات من حركة فتح على خلافته، خاصة أنه لم يوصِ بمن يحل مكانه.
وأشار إلى وجود مطالبات كبيرة بالترسية على من يترأس العمل الفلسطيني داخل السلطة، وإيجاد شخصيات جديدة أكثر وطنية وتمسكاً بالثوابت.
وأظهر الاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، ومقره برام الله، أن نسبة الرضا عن أداء عباس تبلغ 24% في حين نسبة عدم الرضا 73%، وتقول نسبة من 78% إنها تريد منه الاستقالة، في حين تقول نسبة من 19% إنها تريد منه البقاء في منصبه.
ويرأس عباس السلطة الفلسطينية منذ انتخابه عام 2005، وعلى الرغم من انتهاء ولايته عام 2009، فإنه مستمر في منصبه بـ"قوة الأمر الواقع"، بل ويتمسك بالمفاوضات العبثية مع (إسرائيل) التي ترعاها الولايات المتحدة، بالرغم من فشلها على مدار أكثر من ربع قرن.
وتصاعدت الدعوات لرحيل عباس عقب إلغائه انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، التي كان من المقرر أن تبدأ في مايو/ أيار الماضي، في حين عده البعض "تجنبًا لهزيمة" كانت سُتمنى بها حركة فتح.
واكتسبت دعوات رحيل عباس زخمًا قويًا عقب الاغتيال السياسي للمعارض البارز نزار بنات في الخليل جنوبي الضفة المحتلة، بعد ساعات من اعتقاله لدى الأمن الوقائي، بسبب تعرضه للضرب والتعذيب.
وخرجت عشرات التظاهرات في مدن الضفة الغربية لمطالبة عباس بالاستقالة، وإجراء تحقيق مستقل وشفاف في الجريمة، لكن الأمن قابلها بالقمع والاعتقال والتعذيب، وفق مؤسسات حقوقية.
الانتخابات القروية
وأصدر عباس في الـ 6 من سبتمبر/ أيلول الجاري قراراً يقضي بإجراء انتخابات قروية جزئية بعيداً عن التوافق على الوطني، على مرحلتين؛ تُعقد المرحلة الأولى في 11 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، في المناطق المصنفة "ج"، والمرحلة الثانية في الربع الأول من عام 2022 في المناطق المصنفة (أ، ب).
وعلَّق صادق على ذلك بأن الإعلان عن إجراء انتخابات قروية جزئية محاولة من السلطة لإلهاء الشارع الفلسطيني المنتفض ضد فسادها.
وبيّن أن الانتخابات ستحرف الأنظار عن أداء حكومة نفتالي بينيت العنصرية وتغولها على الفلسطينيين، خاصة في ظل وجود انتفاضة في وجه الاحتلال في مختلف مدن الضفة والقدس المحتلتين.
ولفت عباس إلى أن كل هذه المعطيات تدلل على حالة الارتباك التي تعيشها السلطة وتمسكها بالارتهان للاحتلال.