ما زالت عملية نفق الحرية للأسري الستة تتفاعل ولم تنتهِ بعد، فبعد مرور أسبوع كامل على العملية، وعلى الرغم من إعادة اعتقال أربعة منهم، فإن اثنين منهم ما زالا طليقين، ومع كل دقيقة تمرُّ دون اعتقالهما تعدُّ إنجازًا يضاف إلى سجل هؤلاء الأحرار في مواجهة منظومة الاحتلال الأمنية.
وفي تقديري أنه وبعد أسبوع من الحدث، وإعادة اعتقال أربعة، وفشل اعتقال الاثنين الآخرين، هي لحظة مناسبة للحديث عن الحادثة، لتأكيد أن أي محاولة يقوم بها أسرى فلسطينيون لانتزاع حريتهم، هي عملية محفوفة بالمخاطر، ومتوقع إعادة اعتقالهم أو نجاحهم في نيل حريتهم، وهذا هو الحاصل حتى اللحظة.
وبداية يجب التأكيد أن كل عملية يقوم بها الأسرى الفلسطينيون، هي عملية فدائية من لحظة عقد العزم والتفكير في الخروج من السجن، لأنها عملية تحدٍّ للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، فنجاح الأسرى ابتداءً يتحقق من لحظة اتخاذ القرار بغض النظر عن نتائج العملية سواء بتمكين الأسرى من نيل حريتهم أو إعادة اعتقالهم أو استشهادهم.
وبعد الاطلاع على كل المعلومات التي تم تناولها خلال هذه العملية، يمكن أن نسرد هنا مختصرًا لما تم من أحداث تم التأكد من صحتها:
فقد اختار الأسرى الستة فجر الاثنين 6/9/2021، توقيتًا مناسبًا لتنفيذ عملية الهرب، إذ تبدأ إجازة رأس السنة العبرية من مساء هذا اليوم، وقد تم بدء الحفر في النفق من قبل عدة شهور مضت، من أسفل الحمام الموجود في الغرفة، وهي فكرة تم استخدامها من قبل أسرى سابقين سنة 2014 من ذات السجن -سجن جلبوع- كما أن فكرة استخدام حفر نفق تحت الحمام في غرفة المعتقلين تم تناولها في مسلسل تلفزيوني أذاعته فضائية الأقصى التابعة لحركة حماس سنة 2014، وهذا يعني أن طريقة حفر النفق من أسفل حمام غرفة السجن متشبعة في عقل الفلسطيني عامة، ولدى الأسرى خاصة.
وكان هناك عدة محاذير ومخاطر كان على الأسرى الانتباه إليها، وقد تم تجاوزها بفضل الله، وهو ما يجعل احتمال تعاون سجناء إسرائيليين مع الأسرى الستة احتمالًا كبيرًا، إضافة إلى حُسن تخطيط من الأسرى في التضليل والتمويه، وجميعهم شخصيات ذات خبرة كبيرة في التعامل مع منظومة السجن، ومن أهم هذه المحاذير والمخاطر ما يأتي:
التخلص من كميات الرمل الناتج عن عملية الحفر:
المدة الزمنية الطويلة، ووجود فراغات كبيرة تحت أساسيات السجن، قلّل من كميات الرمل المستخرجة يوميًا، والذي جعل من السهل في هذه الحالة تصريفها عبر أنبوب كبير مفتوح بجانب الحمام لتصريف الماء، مع التنبيه هنا إلى أن طبيعة حمامات السجن تختلف عن الحمامات العادية، وهو ما أكده الأسير المحرر رأفت حمدونة.
ما الأدوات التي استخدمها الأسرى في عملية الحفر؟
لا يمكن الجزم بأن المعلقة كانت هي الأداة الوحيدة في عملية الحفر، فبإمكان الأسرى صناعة أدوات حادة من مواد متوفرة في السجن بطريقة بدائية لا تخطر على البال، يساعدهم على ذلك تراكم خبراتهم داخل السجن، إلى جانب وفرة الوقت الذي يغريهم لأن ينحتوا في الصخر، وقد ذكرت بعض مصادر أمنية إسرائيلية أن أداة الحفر كانت ملعقة، في حين ذكرت مصادر أخرى أنه تمت الاستعانة بعمود السرير، كما أن مصادر ثالثة أكدت العثور على مجراف تم استخدامه في عملية الحفر.
وقد بارك الله فيما خطط له الأسرى، في عدة مواقف، لعل أهمها:
السماح بانتقال الأسير زكريا الزبيدي -وهو من حركة فتح- إلى غرفة أسرى الجهاد الإسلامي، وهو أمر يخالف بروتوكول السجن الذي يقضي بتسكين الأسرى على الغرف حسب انتماءاتهم السياسية، وعملية الانتقال تمت قبل يوم واحد فقط من تنفيذ الهرب، وتفسير ذلك أن السجان الإسرائيلي اعتاد مثل هذه الطلبات بين الحين والآخر، حتى صارت مألوفة لا تنبهه إلى وجود خطر، إضافة إلى احتمال أن السماح لهذه الطلبات تنحصر في قيادة الأسرى، وهي امتيازات يتم توظيفها من قبل الحركة الأسيرة في العمل التنظيمي.
فتحة النفق خارج السجن كانت أسفل برج للمراقبة، وقد ثبت أن هذا البرج كان خاليًا من جنود الحراسة، فهل كان هذا الأمر له علاقة باستعدادات الجنود والسجانين لأعيادهم العبرية -عيد رأس السنة- أم أن عملية استدراج وتضليل قد قام بها الأسرى في هذا الأمر.
وماذا عن كاميرات المراقبة الموجودة في غرفة مركزية يرصدها جنود مختصون على مدار الساعة، وقد ثبت تسجيل تلك الكاميرات للحظة خروج الأسرى من النفق، ولعل ساعة الخروج المبكرة جدًّا، وأجواء الأعياد كان لها الأثر الكبير في عدم الانتباه، ولا يعتقد أن شراء ذمم قد تم فعلًا لكل الجنود في تلك الغرفة، فهذا احتمال ضئيل للغاية، إن لم يكن مستحيلًا.
لماذا لم يستعن الأسرى الستة بمساعدين من خارج السجن؟
من أكثر المحطات غموضًا في هذه العملية، ما تم تأكيده بأن الأسرى لم يستعينوا بأحد من الخارج، هل هذا يعني أنهم حاولوا الاستعانة ولم يجدوا أحد يقبل إعانتهم، وهو احتمال وارد رغم ضعفه، وخاصة أنهم لن يفكروا بالاستعانة بأي مناضل قريب منهم تنظيميًا أو جغرافيًا، وخاصة من أهالي جنين، لأن هذا التوقع سيكون أول ما سيفكر به ضباط الاستخبارات الإسرائيلية، لكن يبقى هنا سؤال مهم: لماذا لم يستعن زكريا الزبيدي وهو قيادي في حركة فتح بدعم رجالات أمن السلطة، أم أنه طلب فعلًا الاستعانة ببعضهم دون فائدة!
وفي حالة أنهم هم من رفضوا الاستعانة بأحد من الخارج اختيارًا، فكيف خططوا للاختباء من ملاحقات مخابرات الاحتلال المتوقعة دون مساعدة من أحد يعرف المنطقة وله نفوذ فيها، وخاصة أنهم أمضوا ما يقارب العشرين عامًا في السجن، ما يصعب عليهم طبيعة التعامل والحركة خارج السجن، ما عدا زكريا الزبيدي الذي قارب على السنتين في الأسر، فهو حديث عهد بالخارج، ولكن ليس في منطقة الناصرة التي تبعد عن سجن جلبوع 30 كيلومتر، وهي المنطقة التي أُعيد اعتقالهم فيها، وإنما تقتصر خبرته في الضفة الغربية، والتي يبعد سجن جلبوع عن حدودها نحو أربعة كيلومترات.
كيف أُعيد اعتقال الأسرى؟
تحرّك الأسرى في منطقة لا يعرفون تفاصيلها، ودون معونة من أحد ساكنيها، سيفرض على حركتهم فضلًا عن وجوههم سمات الغرابة والترقب، إضافة لتحذير الجهات الإسرائيلية بأنه من المحتمل أن ينفذ بعض الأسرى عمليات مسلحة، ما جعل سكان المنطقة يترقبون كل غريب، ويدفع الكثير منهم بالإبلاغ عن كل غريب.
تغيير الأسرى لملابسهم وعثور جنود الاحتلال عليها، واستخدام كلاب الأثر -وحدة مارعول- سهل مهمة تعقب حركتهم ومكان اختبائهم.
اعتبار القيادة الإسرائيلية بأن البحث عن الأسرى الستة هي القضية الأولى ولها الأولوية، وظهر ذلك جليًّا في تجنيد كل الإمكانات وكل الأجهزة للبحث والتفتيش، وهو ما سهل وساعد في العثور على مكان اختفاء الأسرى.
وأخيرًا، فإن الكيان الإسرائيلي بكل مستوياته وإمكاناته قد تحرّك للبحث عن الأسرى الأبطال، في حين لم يجد هؤلاء الأسرى لهم مظلّة وطنية يستظلون بها خارج السجن، ما يفرض علينا طرح عدة تساؤلات برسم الإجابة:
هل نمتلك -كفلسطينيين- تصورًا لحماية هؤلاء الأبطال، أم أننا تعاملنا بعفوية وبعض من السذاجة، والذي استغلها العدو في خلق إشاعات وتوجيهات كانت الوحيدة في الإعلام؟
هل تتوفر لدينا -في الرأي العام- ثقافة أمنية لتضليل استخبارات العدو، وقطع الطريق عليه؟
لماذا لم يتوفر صوت وطني يؤدي دور التوجيه للرأي العام في الضفة لمساعدة الأسرى وتضليل العدو، وإدارة الحملة الإعلامية؟
لماذا غابت رواية رسمية أو شبه رسمية عن تفاصيل ما يجري، وملأت المصادر الإسرائيلية وحدها كامل الفراغ، فكانت هي المصدر الوحيد الذي ينقل عنه الإعلام تفاصيل ما يجري، وقد تناقلت وسائل إعلام عربية عن تلك المصادر بما يسيء لقضيتنا وسمعة شعبنا.
ماذا تبقى للأسرى من خيارات للخروج إلى الحرية؟ هل من طريقة غير طريقة أسر جنود احتلال وفرض صفقات مشرّفة لتحريرهم، كما سبق في صفقة وفاء الأحرار عام 2011؟
وآخر القول، يجب اعتماد استراتيجية وطنية وفرضها دوليًّا -ولو على المستوى الرأي العام- لتحرير الأسرى.