تُحكِم يدٌ قوية قبضتها على ملعقة، أنسجتها الوريدية مثل جذور شجرة متشبثة بأرضها تمنحه قوة أكبر للإمساك بها، تحكي شقوق بين راحة يديه قصة ستة أسرى فلسطينيين انتزعوا حريتهم في السادس من الشهر الجاري عبر عملية "نفق الحرية" من زنازين احتلال لا يعرف معنًى للإنسانية.
الملعقة هنا تمثل رمزاً بسيطاً، لكن في محتواها تحمل الكثير، وقادت نحو تحقيق الانتصار والحرية، حتى باتت رمزاً للمواجهة، واليد تعكس معنى الإرادة والشجاعة والإصرار.
كانت هذه التفاصيل في منحوتة فنية من "طين طبيعي" خطّتها أنامل الفنان التشكيلي ميثم عبدال، أراد من خلالها توثيق لحظات القوة والانتصار لستة أسرى أمضوا سنوات طويلة في سجن "جلبوع" رفضوا الانصياع لمحتل متغطرس، فانتزعوا حريتهم بـ "ملعقة".
الفنان "عبدال" ابن السادسة والثلاثين ربيعاً، كويتي الجنسية، انغرس حب الفن في قلبه منذ الطفولة وكبُر معه سنة تلو الأخرى، حتى أنهى دراسته في التربية الفنية وأصبح مدرساً في إحدى مدارس الكويت، لكن منذ تسع سنوات أتقن فن النحت وما زال يواصل مشواره حتى الآن.
"عبدال" يحكي لصحيفة "فلسطين" كواليس منحوتة الأسرى، ويفتح صفحات أخرى من كتاب حُبه لفلسطين وشعبها وقضيتها، "هذا العمل كان ردة فعل طبيعية تجاه الشجاعة والبطولة والانتصار الكبير الذي نفذه الأسرى في مواجهة الطغيان الصهيوني".
يضيف: "رغم عدم تكافؤ القوّة مع العدو الإسرائيلي فإن الأسرى نجحوا في تحقيق الانتصار باستخدام الملعقة، فكان لا بد من توثيق لحظات الإرادة الحرة والقوية حتى تبقى محفوظة على مدار السنوات القادمة".
بدأ "عبدال" العمل في المنحوتة التي استغرقت منه أربعة أيام، بعد عملية "نفق الحرية" التي وصل صداها كل أرجاء العالم، وضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، "فهذا أقل القليل الذي نقدمه لفلسطين والأسرى، وسنواجه العدو بأبسط الأدوات وسننتصر بإذن الله".
ثم يواصل: "أتمنى لو تُتاح لي الفرصة بأن أهدي هذه المنحوتة للأسرى، وهذا شرف كبير لي".
ويوضح أن العمل في المنحوتة ما زال في مرحلة الطين، ثم سيُوضع في قالب برونز أو أنواع أخرى قادرة على حفظ الأعمال الطينية، "كي تثبت هذه الرسالة على مدار الزمن"، حسب تعبيره.
مفتاح العودة
ليس هذا العمل الأول لـ "عبدال" الذي يثبت مدى حبه لقضية فلسطين ويرفض جرائم الاحتلال، فقد أنتج منحوتة أخرى سابقاً ترمز إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين الممتدة على مدار أكثر من 73 عاماً.
كانت المنحوتة عبارة عن يد لاجئ كبير بدت عليها تجاعيد كِبر السن وعِظم الهم والمعاناة التي لحقت به بفعل التهجير، وهي تقبض على "مفتاح العودة" الذي يرمز إلى قضية اللاجئين، وضرورة عودتهم لديارهم التي هجروا منها.
يشرح تفاصيل المنحوتة: "هي يد قديمة لرجل أو امرأة مُسنة واقعية، تجسد تجاعيد واضحة وعميقة حتى تُظهر عُمر المعاناة والقضية، رفضاً للوضع الظالم".
يُعلق عبدال عن سبب تصميم المنحوتة: "أردتُ من خلالها توصيل رسالة احتجاج على الزمن والظلم الواقع على اللاجئين الفلسطينيين على مدار الـ 73 سنة".
لم يخفِ حبه للقضية الفلسطينية، حينما قال: "هي القضية الأولى بالنسبة لي ولكل الشعب الكويتي"، مُشيراً إلى أنه سيُنفذ منحوتات أخرى خلال الفترة القادمة، دون الإفصاح عن طبيعتها أو فكرتها.
ويؤكد أن الفن أحد وسائل المقاومة المهمة التي تُستخدم في التعبير عن حق الشعب الفلسطيني، "فهو رسالة لا تحتاج إلى ترجمة، خاصة أنه اجتمع فيه عنصرا الجمال والرسالة المراد إيصالها".
ويبين أن الفن يخاطب الحس الإنساني والمنطق والعقل الإنساني، ورسالته أبلغ وأقوى، لأنه يحتوي عادة على حكمة فيها بلاغة وقوة.
الفن العربي
وعن الفن العربي، يقول عبدال: "أنا أؤمن بأنه لا بد للفنان العربي أن ينهض من حالة الإحباط التي يعيشها ويلتفت للقضة الفلسطينية، والتعبير عنها من خلال الفن"، لافتاً إلى أن الجهود المبذولة حالياً "غير كافية".
ويؤكد أن الفن عنصر مهم ومؤثر جداً "وهناك فنانون كُثر في هذا المجال، وعلى الجميع التحرك بنبض قوي في هذا الاتجاه"، حسب تعبيره.
ويتابع: "هناك فنانون مبدعون في هذا المجال، لذلك نحن بحاجة إلى مضاعفة الجهود المبذولة"، مؤكداً ضرورة تضافر الجهود من أجل تغطية القضية الفلسطينية عبر مختلف الوسائل وخاصة التواصل الاجتماعي.
"نحن في الكويت تربينا على أن فلسطين حرة من البحر إلى النهر وهي مغتصبة من الكيان الصهيوني ظلماً وجوراً"، يتحدث هنا عن تفاعل الشارع الكويتي مع القضية الفلسطينية.
ويُتابع: "كان هناك تفاعل كبير في الشارع الكويتي مع المنحوتة الخاصة بالأسرى، وأنا فخور جدا بأن بلدي احتضن هذا العمل الإنساني العظيم المناصر للقضية الفلسطينية".
وختم حديثه: "فخورون ومبهورون بهذه الشجاعة والقوة في المواجهة، لكننا متألمون جداً لإعادة اعتقال الاحتلال أربعة أسرى".