رأى محللون سياسيون، أن اتفاق (أوسلو) الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية دولية ومباركة عربية، قبل سنوات طويلة، استطاع تغييب المنظمة، ولم يبقَ منه إلا ما يعرف بـ"التنسيق الأمني".
ويوم 13 سبتمبر/ أيلول وقت اتفاق (أوسلو) سنة 1993 في واشنطن، خلال فترة تولي بيل كلينتون رئاسة الإدارة الأمريكية آنذاك.
وإذ يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر الدكتور مخيمر أبو سعدة، إلى أن اتفاق (أوسلو) شكل إعلانًا لمبادئ ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، إلا أن هذا الاتفاق فيما بعد أسس لاتفاقيات أمنية بين السلطة والاحتلال.
وقال أبو سعدة لصحيفة "فلسطين": إن بداية الاتفاق لم تكن بالشكل الحالي خاصة فيما يرتبط بعلاقة السلطة مع الاحتلال، ولم يبقَ منه إلا ما يعرف بالتنسيق الأمني.
وذكر أن (أوسلو) نصت على قضايا الحل النهائي من خلال وسائل سلمية، وهذا كان يتطلب تعديل ميثاق منظمة التحرير.
ورأى أنه من الصعب على رئاسة السلطة والمنظمة ترك اتفاق (أوسلو) بسبب الالتزامات الأمنية والسياسية المبرمة مع الاحتلال، مدللاً على ذلك بقرارات المجلسين المركزي والوطني لمنظمة التحرير، والقاضية بالتحلل من الاتفاقيات الأمنية والسياسية مع الاحتلال، ولم تطبق إلى اليوم رغم مرور سنوات على إقراراها بإجماع وطني وفصائلي.
من جهته، عدَّ أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية الدكتور وليد المدلل، أن اتفاق (أوسلو) أنجب سلطة مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي هيكليًا، تمارس معه التنسيق الأمني، وما تلا ذلك من ارتباطات جديدة، منها اتفاق باريس.
وبناءً على ذلك، رأى المدلل في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن وقف التنسيق الأمني يعني انتهاء سلطة رام الله.
وأشار إلى أن (أوسلو) عزز من وجود السلطة على حساب منظمة التحرير التي قادت نضال الشعب الفلسطيني، حيث سعى الاحتلال وأطراف دولية معه إلى تحجيم دورها، وهذا ما قام به الاتفاق فعلاً، حيث هَمَّشَ المنظمة وحركة فتح مقابل منح السلطة المزيد من الصلاحيات الكاملة للقيام بدورها الأمني.
ونبَّه إلى ضرورة تخلص السلطة من التنسيق الأمني وتبعاتها السياسية والأمنية، لكن السلطة لن تتمكن من ذلك لأن هذا يعني انتهاءها، في وقت باتت قيادة السلطة تعدُّ التنسيق الأمني خدمة للمشروع الوطني، وهذا يخالف الحقيقة.
من جانبه رأى المحلل السياسي عماد محسن، أن (أوسلو) كانت عنوان مرحلة اعتقدت فيها قيادة المنظمة آنذاك أنها تحمل مشروع دولة للفلسطينيين في ظل موازين القوى المختلة حول العالم، وتفرد الولايات المتحدة به بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبسط (إسرائيل) حضورها كقوة لا تقهر في منطقة الشرق الأوسط، وكان هذا عنوان المشهد في الفترة التي وقع فيها الاتفاق.
وذكر محسن لصحيفة "فلسطين" أن (أوسلو) حملت 3 عناوين، أولا: العنوان السياسي، وبموجبه كان على (إسرائيل) تنفيذ قرار مجلس الأمن 242، على أن تنسحب في نهاية المطاف من الأراضي المحتلة، وتفسح المجال للشعب الفلسطيني بإقامة دولته على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، وعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين.
والعنوان الثاني، كان يتعلق بالشق الاقتصادي، وترتبط فيه السلطة بالمعابر التي يسيطر عليها الاحتلال، وموانئه في الداخل الفلسطيني المحتل، ويتلو ذلك الانفكاك تدريجيًا مع مفاوضات الحل النهائي التي كان من المفترض أن تنتهي عام 1996.
أما العنوان الثالث، فكان يرتبط بالجانب الأمني، وبموجبه يتوقف (العنف)، لكن (إسرائيل) أدارت ظهرها للشق السياسي وتصرفت كقوة احتلال بالشق الاقتصادي، واستفردت بفلسطين بالشق الأمني وطلبت منهم أن يصبحوا أدوات تخدم أمنها دون مقابل.
وتبين لاحقًا، بحسب محسن، أن (إسرائيل) مصرة على البعد الأمني والتحكم الاقتصادي، وبدأت تدمر كل مسار سياسي نشأ بما في ذلك مقرات السلطة وبسطت سيطرتها الأمنية حتى على مناطق (أ).
ونبَّه إلى أنه بعد رحيل عرفات جاءت قيادة للسلطة وآمنت بتنفيذ الشق الأمني ولو على حساب المسار السياسي والاقتصادي، معتقدة أن ذلك ممكن أن يطيل في عمرها، وهذا ما قاله رئيس السلطة محمود عباس لشخصيات إسرائيلية: "لن أوقف التنسيق الأمني حتى لو كان هناك تعثر في المسار السياسي".
وحول مدى إمكانية تخلي السلطة عن التنسيق الأمني، قال محسن: إنها "لا تستطيع أن تفعل شيئًا، لأنها عاجزة ومقيدة، وهي عبارة عن جيش من الموظفين الذين يعتاشون من أموال المقاصة التي لن تدفع إلا إذا استمر التنسيق الأمني، ومن يقول إنه يستطيع إنهاء الاتفاقية ويعطلها هو المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير ولجنتها التنفيذية، والأمناء العامون للفصائل وهذا المجلس أصدر القرار عام 2015، وأكده عام 2016، لكن قيادة السلطة ترفض تنفيذ ما ورد في هذا التقرير".
واستدرك: "المطلوب قيادة للسلطة تلتزم قرارات المجلسين المركزي والوطني، وتنفك من (أوسلو) التي قتلتها (إسرائيل)، وقد كان أكثر من طالب بإسقاط أوسلو هم الإسرائيليون أنفسهم.