تقلد الشهيد إبراهيم حسين أبو نجا (51 عامًا) مناصب عديدة في كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، كان آخرها قيادته لسلاح الهندسة في الكتائب - لواء رفح.
وبرز دور القائد القسامي أبو نجا، المكني "أبا المعتصم" في معظم العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي داخل قطاع غزة وعلى حدوده، خصوصًا تلك العمليات التي يلزم تحضير المتفجرات فيها، سواء براميل أو عبوات أو تفخيخ سيارات.
كما كان له دور بارز في تطوير الأسلحة المحلية التي صنعتها كتائب القسام، على مدار نحو 17 عامًا، دفع خلالها ضريبة التطور النوعي للقسام من دمائه وجسده.
التاريخ الجهادي الطويل والحافل بالعطاء والتضحيات للشهيد أبو نجا، لا يمكن حصره في تقرير، لا سيما أنه نذر حياته ودماءه وجسده وعقله وعائلته وبيته فداء للوطن والمقدسات وفي سبيل المولى عز وجل.
ولم تقتصر أدوار أبو نجا المشرفة على الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال، بل تعدت ذلك، ليكون رجل إصلاح ودعوة، أفنى حياته ماضيا ثابتا على درب الحق، بصدره السليم وابتسامته الدائمة والنكتة الجميلة والدعابة الرائعة.
انضم الشهيد إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1985، وهو من عائلة مكافحة فقيرة مهاجرة من منطقة عرب "النجوية" في أراضي الـ48، وكان متفوقا في دراسته، ودرس اللغة الإنجليزية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل لدراسة اللغة العربية وحصل على درجة البكالوريوس فيها عام 1991، وفق أمير مسجد الفاروق وأحد المقربين منه خيري أبو سنجر.
ولفت أبو سنجر إلى أن الشهيد أبو نجا اعتقل عام 1992 على خلفية نشاطه المقاوم لمدة ثلاث سنوات ونصف في سجون الاحتلال، وكان متزوجا آنذاك ولديه ثلاثة أبناء، وعندما تحرر تغيرت حياته رأسا على عقب، وتفاجأ بوجود واقع جديد وانتشار للسلطة الفلسطينية.
وذكر أن الشهيد أبو نجا انضم إلى السلطة وتدرج في المناصب العسكرية، حتى حصل على رتبة مقدم، وأوشك أن يحصل على رتبة عقيد عام 2006، غير أن تعرضه للتهديد بالفصل من عمله مرات عديدة على خلفية انتمائه لحركة حماس حال دون ذلك.
وقال أبو سنجر لصحيفة "فلسطين": "تم اختياره عام 2006 من الحكومة العاشرة لتقلد منصب قيادة قوات الأمن الوطني على الحدود الفلسطينية مع مصر، لمدة عامين، وكان له دور كبير في مكافحة المخدرات والمهربين للممنوعات".
وتابع: "لا ينسى له فضل أنه كان داعية قبل أن يكون مجاهدا، وله بصمة في العمل الدعوي لا يمكن أن يغفلها أحد، وكان سباقا في ذلك، وتم تكليفه عام 2001 لمتابعة العمل التنظيمي في مسجد الفاروق، وقاد الملف بجدارة، رغم انشغاله في العمل العسكري".
وذكر أبو سنجر أن الشهيد "أبا المعتصم" كان محبوبا من الجميع وكانت علاقته قوية مع جميع الفصائل، ولا تكاد تراه إلا مبتسما، ومازحا حتى في العمل الجدي، قائلا: "كان يتمتع بشعبية كبيرة داخل مستويات العمل التنظيمي في جميع الفصائل، وبدا ذلك واضحا من خلال المشاركة الكبيرة في تشييع جنازته".
ولفت إلى أنه أصيب عدة مرات أثناء العمل في التصنيع، منذ بداية الانتفاضة حيث كان العمل بدائيا وخطيرا، وتقطع جزء من أمعائه جراء انفجار عام 2006، وظل يعاني من الإصابة حتى استشهاده.
وتابع: "رغم منصبه الكبير في السلطة؛ لكنه عاش فقيرا ومات فقيرا، وكان يتبرع من ماله الخاص ومن راتبه للعمل العسكري، وكان يستدين في بعض الأحيان من أجل إتمام العمل"، مشيرا إلى أنه بقي على رأس عمله بعد قطع السلطة راتبه بعد أحداث الانقسام.
ونوه أبو سنجر إلى أن "أبا المعتصم" كان كثير صيام النوافل، وكان ملتزما بصلاة الفجر، ورغم انشغاله في عمله الجهادي، بادر في إعادة إعمار مسجد الفاروق، وتكفل في إزالة الأنقاض من خلال جلب جرافات وسولار، ووفر على لجنة إعمار المسجد أموالا كبيرة، كما أسهم في جمع التبرعات لصالح إعماره.
وعدد صفات حميدة للشهيد أبو نجا، أبرزها الإخلاص في عمله والمثابرة، والابتسامة الدائمة على وجهه، والتواضع مع الجميع، والمزاح مع كبار السن والأطفال، قائلا: "كان عنوانا للفقراء والمساكين والإصلاح بين الناس، رحمه المولى".
وتابع: "رغم مشاغله الكبيرة إلا أنه يشارك إخوانه في قيام ليالي رمضان والسحور معهم والإفطار على موائدهم البسيطة، خصوصا في الأيام العشر الأواخر من رمضان".
ويصف رفيقه: "وقع علينا خبر استشهاده كالصاعقة، وشكل لنا صدمة وفاجعة، خاصة أننا كنا ننتظره على موعد الإفطار الجماعي عند أحد الإخوة".
بصمات واضحة
بدوره، أوضح أبو حمزة أحد المقربين من الشهيد، أن نشاط القائد "أبا المعتصم" تجدد في صفوف كتائب القسام مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، وكان من أبرز المهندسين الذين أسهموا في تطوير سلاح القسام، سواء الصواريخ أو العبوات أو القنابل أو القاذفات، وكانت بصماته واضحة في جميع أنواع الأسلحة التي طورتها كتائب القسام.
وقال أبو حمزة لصحيفة "فلسطين": إن منزل القائد أبو نجا صغير ويتكون من غرفتين، إحداهما خصصها للتصنيع العسكري، وكانت بمثابة نواة للعمل البدائي للتصنيع وورشة تتكدس فيها العبوات والأسلاك، قائلًا: "تفرغ للعمل العسكري في كتائب القسام، وكان من الخبراء المعدودين في هندسة المتفجرات".
وأسهم في خدمة كثير من الفصائل في التصنيع العسكري وتبادل الخبرة معهم، خصوصًا مع حركة الجهاد الإسلامي والمقاومة الشعبية، وغيرها من الفصائل، وفق أبو حمزة.
وذكر أنه تعرض لثلاث محاولات اغتيال كانت إحداها قصف منزله عام 2009، كما تعرض لمحاولة اغتيال في حرب 2014، لافتًا إلى أنه أصيب مرات عديدة لم يتم الكشف عنها، خلال مسيرته الجهادية.
وأضاف: "كان لديه المبادرة في أعمال التصنيع العسكري رغم خطورتها، ولا يترك طريقة للوصول إلى هدف إلا وسلكه، سواء عبر شبكة الإنترنت أو قراءة الكتب، أو ترجمة الكتب باللغة الإنجليزية، خاصة أنه يجيد اللغة الإنجليزية".
ولفت إلى أن معظم العمليات التي يكون فيها تجهيز عبوات بكميات كبيرة، له بصمة واضحة فيها، ومنها عمليات "موقع حردون، وترميد، وبراكين الغضب، ونذير الانفجار، ومحفوظة".
وتابع: "لقد قاد ملفات عديدة في كتائب القسام على مستوى قطاع غزة، منها سلاح الهندسة، وأشرف على موقع الشهداء التدريبي غرب رفح، وكان من أبرز المدربين ومؤسسي العمل التدريبي في كتائب القسام، ولا تكاد تجد مجاهدا في الكتائب إلا تلقى التدريب على يديه".
ولا يخفى على أحد أن القائد أبو نجا كان رفيق درب القادة الشهداء محمد أبو شمالة ورائد العطار ومحمد برهوم ونافذ منصور وسلامة البحابصة وطارق أبو الحصين وهاني أبو بكرة وسامي الحمايدة ومحمد أبو حرب وأحمد منصور وغيرهم الكثير، رحمهم الله جميعا.
واستشهد أبو نجا، الأربعاء الماضي، جراء انفجار عرضي أثناء الإعداد والتجهيز في أحد مواقع القسام في رفح، في حين أصيب ثلاثة أشخاص آخرين.