منذ توقيع اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر 1993، وقدوم السلطة الفلسطينية لأرض الوطن عام 1994، وهي ما فتئت تلاحق المعارضين السياسيين والمقاومين للاحتلال الإسرائيلي بالاعتقال والتعذيب الذي وصل بعشرات الحالات للقتل والتصفية، فلم تكن جريمة قتل السلطة للناشط السياسي نزار بنات هي الأولى في سجلها الأسود في تصفية معارضيها، في حين تسود الخشية الأوساط السياسية بالضفة الغربية من أنْ يتبعها جرائم أخرى في ظل عدم توقف السلطة عن ملاحقة معارضيها.
قتل وتعذيب
"فلسطين" رصدت قرابة 40 حالة تصفية لمعارضين سياسيين منذ عام 1994 كان أولها وأكثرها فظاعة حادثة قتل 14 مصلياً في مسجد فلسطين بغزة يوم الجمعة 14-11 -1994م على يد أمن السلطة.
تلا ذلك في يوليو 1994 قتل المواطن فريد جربوع في أقبية التحقيق في سجن غزة، تبعه في عام 1995 قتل المواطنين سليمان جلايطة ويوسف الشعراوي وتوفيق سواركة وعزام مصلح في سجون مختلفة، ثم قتل المواطن محمود إجميل عام 1996 في إثر تعرضه للتعذيب الشديد في سجن أريحا والمواطنين ناهض دحلان ورشيد الفتياني في سجون أخرى.
وفي عام 1997 قتل المواطنان فايز قمصية ويوسف البابا في أقبية سجون السلطة، في حين سجل خلال العامين 1998 – 1999 قتل 4 مواطنين على أيدي أجهزة أمن السلطة أبرزهما الشقيقين القائدين في كتائب القسام عادل وعماد عوض الله، والقائد القسامي محيي الدين الشريف في إثر التعذيب الشديد الذي تعرض له في سجون السلطة، و8 مواطنين في عام 2000.
وكان من أبرز حالات القتل في عام 2008 قتل الداعية الإسلامي مجد البرغوثي بعد تعرضه لتعذيب شديد في سجون السلطة لمدة 9 أيام بتهمة الانتماء لـ"حماس"، في حين سجل قتل أربعة مواطنين أيضاً على يد أمن السلطة من جراء التعذيب، منهم : محمد الحاج وجميل شقورة وهيثم عمرو وشادي شاهين.
في حين سجل عام 2016 قتل السلطة للشاب أحمد حلاوة في سجن "الجنيد" وهو أحد عناصر الشرطة الفلسطينية بعد تعريضه للتعذيب الشديد، بالإضافة لقتل الشاب ضياء عرايشة من مخيم بلاطة بنابلس.
وفي مارس 2019، ضجّت الساحة الفلسطينية بخبر قتل الشاب الغزّي محمود الحملاوي داخل أحد سجون السلطة في الضفة الغربية، بعد تعرّضه للتعذيب الشديد على يد عناصر من أمن السلطة.
يشار إلى أن حالات القتل المذكورة أعلاه جزء بسيط من انتهاكات السلطة ضد حقوق الإنسان، حيث يعتبر الاعتقال السياسي للنشطاء والمقاومين أمراً شبه يومي بالضفة، في حين تتم ملاحقة الصحفيين ومنعهم من تسليط الضوء على تلك الانتهاكات.
مناهض للحريات
الناشط السياسي فخري جرادات اعتبر أن سلوك السلطة المناهض للحريات لا ينطلق فقط من "واجباتها" وفق اتفاق أوسلو بملاحقة المقاومة بل يتعداه لملاحقة كل من يعارضها انطلاقاً من الرغبة في الاحتفاظ بالحكم.
وقال جرادات لصحيفة "فلسطين": "السلطة تحولت لمنظومة فساد، وهذا الفساد هو الذي يرسم سلوكها وأداء أجهزتها الأمنية، فمن يمكن أن يؤثر في منظومة حكمها تقمعه"، مشيراً إلى أن قمع السلطة يزداد كلما شعرا بأن شوكة المعارضة قد قويت وصوتها ارتفع.
وأشار إلى أن النشطاء السياسيين بالضفة يتعرضون لمختلف أنواع الترغيب والترهيب للكف عن نشاطهم السياسي وكل ذلك لبث الخوف في نفوسهم ونفوس المواطنين، قائلاً: "الفساد في السلطة مستشرٍ والمناصب حكرٌ لأشخاص معينين منذ عشرات السنين وهم في سبيل ذلك يزيحون كل من يمكن أن يزاحمهم".
وكانت مركبة الناشط جرادات، تعرضت لإطلاق نار قرب الجامعة العربية الأمريكية في جنين، الجمعة الفائتة، بعد تعرضه أكثر من مرة للاعتقال لدى الأجهزة الأمنية، على خلفية نشاطه في الاحتجاجات على قتل نزار بنات .
لا يوجد تغيير
وبين المحلل السياسي عمر عساف أن السلطة تدعي أنها استخلصت العبر من أدائها بعد قتل نزار بنات، لكن الأمور على أرض الواقع تؤكد العكس، فحتى الآن هناك محاولات قتل ومحاكمات لنشطاء سياسيين وغيرها من الممارسات التي تشكل خطراً على السلم الأهلي المجتمعي ووحدة شعبنا في مواجهة الاحتلال.
وحمل عساف قيادة السلطة وعلى رأسها محمود عباس والأجهزة الأمنية مسؤولية الوضع الحقوقي المزري الذي يعانيه شعبنا، قائلاً: "السلطة لن تغير سياساتها التي انتهجتها منذ أوسلو، ولقاء غانتس- أبو مازن كان من الواضح منه تعزيز هذا التنسيق بجانب استمرار العلاقة بين السلطة والمخابرات المعادية لشعبنا كالمخابرات الأمريكية".
وكان وزير جيش الاحتلال التقى برئيس السلطة عباس في أغسطس الماضي أكدت مصادر إعلامية عبرية أنه عُني بالشؤون الأمنية بين السلطة و(إسرائيل) وعلى رأسها التنسيق الأمني.
وأكد أن المعطيات الأخيرة تشير إلى عدم وجود أي تغيير منهجي على سياسة السلطة تجاه أبناء شعبها وأن المجموعة الحاكمة تسخر قدرات أبناء الأجهزة الأمنية لحماية (إسرائيل).
وأبدى أسفه لكون التنسيق الأمني لم يتوقف حتى في أشد مراحل الصراع بين شعبنا والاحتلال الإسرائيلي، قائلاً:" لعل التنسيق الأمني هو العنصر الوحيد الباقي من أوسلو، فـ(إسرائيل) ضربت بعرض الحائط كل ما له علاقة بأوسلو".
وشدد على أن لا حل للخروج من المأزق الحالي سوى إجراء الانتخابات ليقول الشعب كلمته ويختار قيادته، حيث إن استمرار هذه الحالة وغياب الحريات سيؤدي لمزيد من الضرر للحالة الفلسطينية برمتها.