بدت ملامح الحزن والغضب ظاهرة على وجه جميلة عياد، بعد تنصل السلطة في رام الله من مسؤوليتها بعدم صرفها رواتب شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014.
وافترشت جميلة، أرملة الشهيد حمدي عياد ووالدة الشهيدين أشرف وشادي، الذين ارتقوا في عدوان 2014، الأرض في أثناء مشاركتها أهالي الشهداء اعتصامهم أمام مقر مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير بغزة، أمس، للتعبير عن حالة الغضب التي تعيشها وأولادها الستة، بعد استشهاد معيلهم الأول والثاني، وعدم امتلاكها الأموال لتلبية مستلزماتهم.
وأخذت جميلة (36 عامًا) تضرب كفًّا بكف، وهي تقول: "إلى متى نبقى على هذه الحال، تعبنا من تلقي الوعود لصرف رواتبنا ولم ينفذ منها شيء، كيف أطعم أبنائي، ولماذا تترك أرامل الشهداء في الشوارع للمطالبة بحقوقهن منذ أعوام؟".
وكان الشهيد عياد يعمل مزارعًا ويساعده أولاده، وما يحصلون عليه كان يلبي جميع احتياجاتهم، لكن بعد استشهادهم فقدت الأم وأبناؤها مصدر دخلهم الوحيد، ليُلقى العبء على كاهلها لتدبر احتياجات أسرتها.
رحيل رب أسرة عياد ونجليه، ترك فراغًا كبيرًا للعائلة التي تحاول تدبير احتياجاتها ولو بأقل القليل، فهي لا تتلقى أي مساعدة سواء من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أو من الشؤون الاجتماعية، وفق قول جميلة.
وتحسب جميلة، وهي من سكان حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، ألف حساب لقيمة المبلغ الذي ستدفعه كي تصل إلى مقر مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير، غربي المدينة، لإيصال صوتها لكل المعنيين، ومطالبتهم بصرف مخصصها المالي.
وتبلغ قيمة المواصلة التي تحتاج إليها جميلة كل يوم ثلاثاء ثمانية شواقل، لكن هذا المبلغ يمثل عبئًا كبيرًا عليها، فتحاول طوال أيام الأسبوع توفيره كي تشارك في الاعتصام، للمطالبة بصرف مستحقات زوجها ونجليها.
مشاركة الأهالي
وتجلس الستينية آمنة أبو غديين، إلى جوار جميلة عياد، تشاطرها المعاناة والألم، فهي لم تتلقَّ راتب نجلها "سالم" للعام السابع تواليًا، بحجج واهية.
وتشيح آمنة بنظرها عن مقر مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى، لتقول: "أين المسؤولون عن معاناة أهالي الشهداء، ولماذا نترك منذ سبعة أعوام للمطالبة بحقوقنا. مش حرام اللي بصير بأهالي الشهداء يتركوا في الشوارع للمطالبة براتب أبنائهم؟".
وأضافت آمنة التي تقطن في حي الشيخ رضوان غرب غزة: "رحل ابني، لقد كان سندًا لنا وكان يوفر احتياجاتنا، لكن الآن أصبحنا بلا معيل"، مستغربة من سيل وعود الأهالي طوال السنوات الماضية بإنهاء معاناتهم وصرف رواتبهم ومخصصاتهم المالية، مقابل فك إضرابهم المفتوح عن الطعام آنذاك وإزالة الخيمة التي نصبوها أمام مقر المؤسسة، لكنها لم تتحقق.
وتحرص آمنة على الحضور إلى الاعتصام الأسبوعي، تارة سيرًا على الأقدام لعدم امتلاكها الأموال الكافية، وتارة أخرى بسيارة أجرة تكلفها أربعة شواقل في كل مرة، كي تطالب بحقها في صرف المخصص المالي لأسرتها المكونة من 13 فردًا.
مماطلة وتسويف
ويستغرب القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل من عدم تنفيذ الوعودات التي أطلقها أعضاء في المجلس الثوري لحركة فتح، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أو المؤسسة التابعة للمنظمة صرف رواتب أهالي شهداء 2014.
ويؤكد المدلل لصحيفة "فلسطين" وجود مماطلة بشكل غريب لإنهاء ملف أهالي شهداء 2014، "مع أن هذا حق مكفول لهم بموجب ميثاق منظمة التحرير"، مشيرًا إلى وجود تراخٍ من رئيس السلطة محمود عباس ومنظمة التحرير في إنهاء الملف.
ويقول: إن قرار إنهاء معاناة الأهالي بيد عباس، فهو القادر على صرف حقوق الناس، مؤكدًا أن الأهالي مصممون ومعهم الفصائل وكل شرفاء الوطن للمطالبة بصرف رواتبهم كاملة.
من جانبه، يقول عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية محمود خلف لـ"فلسطين" إنه ليس هناك مبرر لامتناع السلطة عن صرف رواتب ذوي شهداء 2014، وتطبيق نظام مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى، مطالبًا عباس والجهات المعنية بإصدار قرار فوري لصرف رواتبهم.
من جهته، يؤكد الأمين العام للجنة الوطنية لأهالي الشهداء والجرحى ماهر بدوي، أن أهالي شهداء عدوان 2014 عازمون على تصعيد خطواتهم الاحتجاجية الأسابيع القادمة، في حال لم يحصلوا على حقوقهم.
ويشير بدوي عبر "فلسطين" إلى تردي الأوضاع الاقتصادية لأهالي شهداء عدوان 2014، وعدم قدرتهم على توفير احتياجات أسرهم بعد استشهاد معيلهم الأول والثاني، داعيًا الكل الفلسطيني للوقوف إلى جانب ذوي الشهداء حتى صرف رواتبهم ومخصصاتهم المالية.
وتنتظر نحو 1833 عائلة شهيد من أهالي شهداء عدوان 2014 توقيع عباس قرارًا يقضي بصرف رواتبهم المستحقة التي كفلتها اللوائح الداخلية لمنظمة التحرير، في حين تنتظر مئات الأسر عودة رواتبها المقطوعة.