فلسطين أون لاين

وانتصف الشهر


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فما أسرع أيامك يا رمضان!، تأتي على شوق، وتمضي على عجل، ها قد مضى النصف الأول منك يا رمضان، يا شهر الصيام ترفق، ويا شهر القيام تمهل؛ نفوس العابدين وقلوب الراكعين الساجدين تحنّ وتئنّ.

سبحان الله، منذ أيام كنا ندعو: "اللهم بلغنا رمضان"، ومنذ أيام قليلة هنأ بعضُنا بعضًا ببلوغ رمضان، فقد هل الهلال، مع النداء الشهير: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"، واليوم فاجأتنا هذه الحقيقة: انقضى النصف الأول من رمضان، سبحان الله!

أبهذه السرعة رمضان هذا الضيف، خفيف الظل، عظيم الأجر مضى نصفه، "والنصف كثير"؟!

وهنا لابد أن نقف مع أنفسنا وقفات أيها الأحباب، ماذا أودعنا هذه الأيام العشر؟

كيف نحن والقرآن؟، كيف نحن وصيام الجوارح والسمع والبصر؟، كيف نحن والقيام؟، كيف نحن وتفطير الصائمين؟، كيف نحن والصدقة والصلة والبر؟، كيف حالنا مع الخشوع والخضوع والدموع؟، هل اجتهدنا في طلب العتق، أم رضي بعض أن يكونوا مع الخوالف؟

هذه أيام وليالي العتق تنقضي يومًا بعد يوم وسرعان ما سيقال: وداعًا رمضان، فهلا كانت همتنا عالية، ولسان كل منا يقول: "لن يسبقني إلى الرحمن أحد"، هلا جاهدنا أنفسنا وأتعبناها بالطاعة، حتى ترتاح في مستقر رحمة الله في جنة الخلد؛ فالعبد لن يجد طعم الراحة إلا عند أول قدم يضعها في الجنة.

ها نحن في النصف الأول من رمضان، وبعد أيام قلائل سنستقبل العشر الأواخر _من كتب الله له عمرًا_ أفضل ليالي العام، فيها ليلة من خير شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم، فالسعيد من عرف فضل زمانه، ومحا بدموعه وخضوعه صحائف عصيانه، وعظم خوفه ورجاؤه، فأقبل طائعًا تائبًا يرجو عتق رقبته وفك رهانه.

أحبتي، الأيام تمضي متسارعة، والأعمار تنقضي بانقضاء الأنفاس، وكل مخلوق سيفنى، وكل قادم مغادر، وهذا شهر الرحمة والغفران، يوشك أن يقول وداعًا، ولعلك لا تلقاه بعد عامك هذا.

فصم صيام مودع، وصل صلاة مودع، وقم قيام مودع، وتب توبة مودع، وقم بالأسحار باكيًا، مخبتًا، منيبًا، وقل: يا رب، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، إلهي حرم وجهي ولحمي وعظمي وعصبي وبشرتي على النار، إلهي لا أهلك وأنت رجائي، اقبل توبتي، واغسل حوبتي، وسل سخيمة قلبي، وارفع درجتي، وكفّر سيئتي، وأعتق رقبتي، يا ذا الجلال والإكرام.

أخي الصائم، أختي الصائمة، غدًا يقال: انقضى رمضان، وأقبل عيد أهل الإيمان،

ولكن شتان شتان ما بين من يهل عليه هلال شوال وهو معتق من النيران، قد كتب من أهل الجنان، ومن يهل عليه وهو أسير الشهوات والمعاصي، قد حرم الخيرات، وباء بالخسران.

اللهم وفقنا إلى الصالحات قبل الممات، وأخذ العدة للوفاة قبل الموافاة، وثبت قلوبنا على دينك، واختم لنا بالصالحات، واغفر لنا ولوالدينا وأزواجنا وذرياتنا وإخواننا وأحبابنا والمسلمين، واكتبنا جميعًا من عتقائك من النار.

وصلِّ _اللهم_ وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وإلى لقاء آخر بإذن الله، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.