قائمة الموقع

​انتظار الإفطار عبادة عصافرة في طفولته

2017-06-10T08:11:33+03:00

طفل صغير يعتلي أسطح المنازل مع أولاد عمه وأطفال الجيران، وكلهم يرهفون السمع بانتظار المسجد الوحيد في القرية ليرفع أذان المغرب، وكل واحد منهم يضع اللقمة في فمه وينتظر قضمها مع أول تكبيرة من تكبيرات الأذان.. انتظار الإفطار كان عبادة بالنسبة للمحرر المبعد إلى قطاع غزة علي عصافرة في صغره.

الشوق المنبثق عن الإبعاد لا يقل وجعًا عن المشتاق لأسير غيبه الاحتلال الإسرائيلي في سجونه، ربما يهوّن الأمر قليلًا أنه حرٌ في بلادٍ يحسبها عند الله آمنة بعيدًا عن سطوة السجن، لكنه أيضًا "يشتاق إليهم"؛ لذا استضافت "فلسطين" في زاويتها "نشتاقهم" لهذا اليوم المحرر علي عصافرة.

رمضان الأسر

علي عصافرة محرر مبعد من قرية بيت كاحل قضاء الخليل، قام بعملية إطلاق نار في 8-6-2002 في مستوطنة كرم تسور –مستوطنة مقامة على أراضي بلدتي حلحول وبيت أمر شمالي الخليل– برفقة الشهيد أحمد مسالمة، قتلا فيها أربعة من مستوطني الاحتلال الإسرائيلي وأصابا عشرين شخصًا.

وفي تفاصيل العملية استشهد مسالمة وأصيب علي عصافرة وانسحب من مكان العملية وجرى اعتقاله لاحقًا وحكم عليه بالسجن أربعة مؤبدات وعشرين عامًا دفعة واحدة! وأفرج الاحتلال الإسرائيلي عن عصافرة في صفقة وفاء الأحرار في 18-10-2011 مع 1047 أسيرًا آخرين مقابل إفراج كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

يستذكر عصافرة رمضانه قبل الأسر مع عائلته، فقد كان ابن التاسعة عشرة قبيل اعتقاله، فيقول: "في القرية مسجد واحد، لكن كنا نذهب إلى مدينة الخليل لنتمتع بالقرآن الكريم والذكر في مساجد المدينة، فنقوم الليل هناك، ونجتمع على الذكر والنشيد الهادف وفقرات للتسلية علها تكون معينًا لنا على الطاعة".

ويسرح بمخيلته قليلًا ويتذكر اجتماعه مع والدته ووالده وإخوانه وأخواته وخالاته وأخواله وأعمامه وعمّاته وأقربائه وأصحابه –لم يبخل بذكرهم كلهم حبًا وشوقًا لهم– وكيف كان اجتماعهم على سفرة الإفطار في القرية الصغيرة التي يسكنها الود والمحبة فيقضون الوقت بين الذكر واللهو المعين على الطاعة.

وينوه إلى أنه لم تكن هناك طقوس محددة لاستقبال شهر رمضان، غير أن البرامج اليومية التي اعتادها مع أقرانه كانت تتوقف لتحل محلها برامج الطاعات والعبادة بكل أشكالها وأنواعها، وما زال حنينه يزداد للسمك والمقلوبة والقطائف والبسبوسة أكثر ما كان يحب تناوله وهو في الخليل قبل اعتقاله.

وأما عن رمضانه في الأسر.. فيشير إلى أن حياة السجن روتين قاتل؛ فالأسير لا يشعر بأول العام أو وسطه أو نهايته، وكل حياة السجن تتسم بالجدية في كل وقت من أوقاتها، منوهًا إلى أن نهار الأسرى ينقضي في العبادة وقراءة القرآن الكريم، ويكون التلفاز مغلقًا طوال اليوم.

ويقول: "يقلل الأسرى من ممارسة الرياضة حتى أذان المغرب ويفطرون جماعة ما تيسر من الطعام ويصلون المغرب جماعة، ويقضون ما بين صلاتي المغرب والعشاء في الجلي والغسيل والشطف".

زعتر على البحر

وفي رمضانه الأول بعد الأسر، كان شعور الحرية يطغى على مشاعر عصافرة رغم بعده عن عائلته، فإن عائلة زوجته هنا في غزة كانت له وطنًا وعائلة وحضنًا عوضه جزءًا من اجتماعه وعائلته بأجواء جميلة أشعرته بعظيم الامتنان لله أن منّ عليه بالفرج من سجون الاحتلال الإسرائيلي.

انتقلنا للحديث مع زوجته إسراء أبو عودة، لتحدثنا أكثر عن كيف احتضنت هي وعائلتها المحرر المبعد علي عصافرة لتعوضه ولو القليل عن افتقاده لأجواء رمضان في كنف عائلته، وتخفف عنه تسع سنوات ونصف من الأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

تقول إسراء: "في رمضانه الأول بيننا قضيناه تقريبًا في بيت عائلتي وأصدقاء لنا وأزواج أخواتي، في محاولة لصنع جو عائلي مشابه لما كان يعيشه في منزل عائلته قبل اعتقاله"، منوهة إلى أنه في عام من الأعوام السابقة استطاع والداه الحضور من الخليل ومشاركته أجواء شهر رمضان، غير أن عائلتها لم تتركهم وحدهم فاستضافتهم أغلب أيام الشهر.

وعن كيفية قضاء رمضان مع زوجها –هذا العام هو رمضان السادس لهما معًا-، توضح أنه يحب الخروج وتناول الطعام خارج المنزل فإن كان الإفطار فنجان شاي ورغيف خبز وزعتر على شاطئ البحر أفضل وألذ من خروف داخل المنزل.

وتتابع: "لا بروتوكول معين يحكم رمضان مع زوجي، فالأكل الجود من الموجود فيه، لحم، سمك، بيض، بطاطاس، زعتر، فلافل، في رمضان لا أفكر كثيرًا في ماذا سأطبخ لأنه لا يرهقني كثيرًا"، مستدركة بقولها: "غير أنه لا يفضل تناول الأكل "البايت"، وإن اضطر لمجاملتي لكنه لا يطيقه، وأخذت أنا أرتب أموري ألا يزيد من الطعام شيء".

أخيرًا إسراء عاهدت نفسها على أن تجعل عليّ يذوق طعم الحرية في طعامها، فتعمل على "تزبيطه" و"تشييكه" بطرق متعددة، لعلها تكون إحدى الوسائل التي ينسى بها عذاب السجن وطعامه، وكل ما مرّ به في تلك المرحلة من حياته، لكنها حتى الآن لم تنجح في إتقان القطائف في المنزل كما يحبها هو من بين يدي والدته، معلقة: "حاولت مرة بس ما طلع زي ما بده، أنا مليش على الحلويات وهو مؤمن أنه حلويات الضفة غير".

اخبار ذات صلة