نجاح ستة أسرى فلسطينيين في التحرر من قيود سجن جلبوع الإسرائيلي المحصَّن يُشكل عملية نوعية وتطورًا بالغ الأهمية في مجال مقارعة الاحتلال، كما أنَّ عملية بهذا الشكل وفي هذه الظروف وهذا التوقيت تحمل بكل تأكيد الكثيرَ من الدلالات المهمة التي يجب التوقف عندها.
بهذه العملية الأسطورية يتحرر ستة أسرى من بينهم خمسة محكومين مدى الحياة، ومن بينهم ثلاث أشخاص مسجلين لدى إدارة السجن بأن لديهم "احتمالية عالية للهرب"، وهو ما يعني أنهم تحت رقابة أكبر وإجراءات أكثر تشددًا، ومع ذلك تمكنوا من الانسحاب وغادروا المكان واكتشفتهم قوات الاحتلال بعد أكثر من ثلاث ساعات على هربهم، أي إنها كانت عملية نظيفة لم تشهد أي اشتباك أو مطاردة ولم يشعر بها الحراس إلا بعد فوات الأوان.
ويأتي انسحابُ هؤلاء الأسرى الستة (بينهم خمسة من حركة الجهاد) في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن محادثات غير مباشرة من أجل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين فصائل المقاومة والاحتلال، وهو ما يُشكل رافعة للطرف الفلسطيني وضربة للإسرائيلي في هذه المفاوضات، كما أن هذه العملية تُعيد التأكيد أن تحرير الأسرى ممكن وأن الشعب الفلسطيني لن يعدم الوسائل المناسبة لذلك.
ثمة العديد من الدلالات الاستراتيجية المهمة لهذه العملية، والتي ينبغي قراءتها وتحليلها والتوقف عندها طويلًا، وأهم هذه الدلالات ما يأتي:
أولًا: هذه العملية تُشكل اختراقًا مهمًّا لأحد أكثر الأنظمة الأمنية تحصينًا في العالم، إذ إنها تشكل ضربة لمنظومة الأمن الإسرائيلية، إذ إن السجن موجود داخل الخط الأخضر وهو بالغ التحصين، ويستخدم فيه الإسرائيليون أحدث أنظمة المراقبة، فضلًا عن أن المنطقة المحيطة به مكشوفة بالكامل وبعيدة نسبيًّا عن المناطق المأهولة بالفلسطينيين. الأمر الذي يعني بأن اختراق كل هذه الحصون أمر أشبه بالمعجزة أو الأسطورة.
ثانيًا: عملية بهذا النوع وهذا الاتقان وهذه الدقة تعني أن أساليب المقاومة الفلسطينية تشهد تطورًا غير مسبوق وعلى كل المستويات، إذ إن هذه العملية ليست عسكرية ولم تشهد إطلاق رصاصة واحدة وإنما هي عملية اختراق أمني بالغة التعقيد وبالغة الدقة، والقصة هنا ليست في كيفية حفر نفق بهذا الحجم وهذا المكان وهذه الإمكانات مع التسليم بأن هذه معجزة، وإنما القصة الأكبر أن الفلسطيني أصبح لديه القدرة على اختراق المنظومة الأمنية الإسرائيلية وهذا سيفتح الباب لعمليات مختلفة وبأنواع مختلفة، ويفتح الباب أمام صراع مختلف بين الفلسطينيين والاحتلال.
ثالثًا: من المؤكد أن الأسرى المحررين بهذه العملية قد تلقوا المساعدة من الخارج، وغالبًا من حركة الجهاد الاسلامي التي ينتمي اليها خمسة من الأسرى الفارين، وهنا رسالة مهمة مفادها أن الفصائل لا تنسى أسراها في السجون وتعمل على تحريرهم ولو طال الزمان، وهذا ما حدث عندما نفذت حركة حماس عملية اختطاف الجندي جلعاد شاليط واستبدلته بأكثر من ألف أسير فلسطيني، وكذا عملية التبادل التي نفذتها الجبهة الشعبية القيادة العامة في العام 1985، وقبلها عملية التبادل بين حركة فتح والاحتلال في جنوب لبنان سنة 1983.. أما الجديد هنا فهو أن أسرى حركة الجهاد يخرجون من سجن جلبوع بموجب عملية وليس في صفقة تبادل.
والخلاصة هنا هي أن عملية هرب الأسرى الستة من سجن جلبوع تُضاف إلى قائمة التحولات التي يشهدها الصراع في الأراضي الفلسطينية، فهي ضربة كبيرة لمنظومة الأمن الإسرائيلية، وتحرك جديد باتجاه تحرير أسرى لا يُمكن أن يقبل الاحتلال بإخلاء سبيلهم في أية صفقة تبادل قادمة، كما أن هذه العملية تدل على تطور نوعي لدى الفصائل (وخاصة حركة الجهاد) سواء من الناحية الأمنية أو من حيث الأساليب المستخدمة.