يتجمع شبان من فاقدي الأطراف في الموعد المخصص لانطلاق السباق الخاص برياضة الدراجات الهوائية التي أوجدوها بصفتها بديلًا بعد إغلاق النوادي الرياضية بسبب جائحة كورونا، يرتدي جميعهم زيًا رياضيًا، ويقف كل واحد منهم بجانب دراجته يتأكد من سلامتها وعدم مفاجأته بأي عطل في أثناء المباراة ليتسابقوا نحو حياة اجتماعية.
الشاب ناجي ناجي (29 عامًا)، صاحب فكرة تأسيس فريق رياضي للدراجات الهوائية، كان على موعد مع حدث في عام 2007 غير مسار حياته، في إثر انفجار جسم مشبوه تسبب في بتر ساقه اليسرى من فوق الركبة.
حينها لم يكن قد أكمل الخامسة عشرة من عمره، وقد استطاع العودة إلى الحياة العامة والوقوف مجددًا على قدمه اليمنى بمساعدة عكاز يستند إليه وبدعم من أهله وتشجيعهم.
يقول رئيس لجنة الدراجات الهوائية لصحيفة "فلسطين": "قبل الإصابة كان لدي ميول لممارسة ألعاب القوى، وركوب الدراجة الهوائية، وبعد إصابتي استطعت أن أكمل طريقي في التعليم المدرسي والجامعي ولكن بعيدًا عن الرياضة".
وجد ناجي نفسه بعد التخرج من الجامعة عاطلًا عن العمل كغيره من آلاف الخريجين، فما كان منه إلا العودة لممارسة هوايته التي تركها سنوات طويلة بسبب الإصابة مستعينًا بطرف اصطناعي، ليغدو أول لاعب كرة قدم لمبتوري الأطراف في فلسطين.
ويوضح أن أزمة كورونا كان لها أثر في ممارسته الرياضة بسبب إغلاق النوادي، وإلغاء الألعاب الجماعية، فكان ذلك دافعًا لتجريب ركوب دراجة شقيقه، متجاوزًا حالة الخوف التي شعر بها للوهلة الأولى.
يضيف: "تجاوزت مرحلة الخوف بعد أن قمت بجولة في شارع بيتي، فاستهواني الأمر لشراء دراجة خاصة بي أمارس عليها الرياضة التي أحببتها طفلًا وهكذا حتى أتقن قيادتها بالطرف الاصطناعي والتوازن عليها، وقد صورت نفسي ونشرت الفيديو على موقع التواصل الاجتماعي لأوصل رسالة لأقراني بأن لا شيء يعجزنا، إضافة إلى كسر الجو التقليدي".
التقط أقرانه من ذوي الإعاقة الفيديو وتواصلوا معه ليخوضوا التجربة على دراجته، حتى تمكن من تشكيل فريق من 14 فردًا، إضافة إلى 20 آخرين غير قادرين على شراء دراجات هوائية، تمكنوا جميعًا من خوض مسابقة بمسافة ثلاث كيلومترات.
وقُسِّم الفريق إلى فئتين؛ الأولى: أصحاب البتر فوق الركبة، والثانية أصحاب البتر تحت الركبة، وتتراوح أعمار أعضائه بين 17 عامًا إلى 45 عامًا.
وممارسة رياضة الدراجة الهوائية لذوي الإعاقة تحتاج إلى قوة بدنية قادرة على التحمل، وإتقان التوازن، وهو أمر قد فعله ناجي بعد شهر من التدريبات المتواصلة.
ويحاول الشاب الذي يقطن مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، من خلال ممارسة هذه الرياضة إيصال عدة رسائل بأهميتها لصحة الجسد، وتقبل الشخص للإصابة وخاصة البتر، والترفيه وكسر حالة الجمود والعزلة، وتسليط الضوء على الأشخاص ذوي الإعاقة وتطبيق القانون الخاص بهم.
ويطمح وفريقه إلى تمثيل دولي في سباقات عالمية لرفع علم فلسطين في المحافل الدولية، والوصول إلى مجتمع شمولي على الصعيد المحلي متقبل الأشخاص ذوي الإعاقة.
أما الشاب أحمد أبو النار (34 عامًا) من سكان مخيم النصيرات، فقد استهل حديثه عن المشكلات التي تواجهه في أثناء ممارسة رياضة الدراجات الهوائية، اليت منها مواجهته لخطر عدم توفر شوارع مخصصة لقيادة تلك الدراجات.
واستهوته هذه الرياضة لكونها لعبة فردية يمكن ممارستها في مناطق مفتوحة وفي أي وقت دون التقيد بالذهاب إلى الأندية الرياضية.
ويقول أبو النار: "البدايات كانت صعبة، وكان عليّ تخطي حاجز الخوف والتحكم في توازن جسمي على الدراجة"، لافتًا إلى أن ممارسته للعب كرة القدم واللياقة البدنية قبل ثمانية أشهر قبل بدء التجربة لم تمنع هذه الصعوبات.
وفقد أبو النار ساقه اليسرى في إثر عيار ناري إسرائيلي أصابه خلال مشاركته في مسيرات العودة وكسر الحصار عام 2018.
ويلفت إلى أن الرياضة غير حاضرة في الوطن العربي بوضوح، ولديه حافز كبير لاحتراف الرياضة وزيادة السرعات التي يتجاوزها، والتمثيل الدولي كفريق فلسطيني في مسابقات عالمية.
في حين بدأ وحيد رباح (45 عاما) مشواره الرياضي عام 2010 بألعاب القوى الجلة (دفع الثقل) والقرص والرمح، وانتقل بعدها لطائرة الجلوس، ثم كرة القدم، حتى مارس ركوب الدراجات الهوائية.
وبعد تلقيه تدريبات وتمارين تمكن من تخطي مسافات طويلة تتجاوز الـ50 كيلو مترًا، ويقول: "قبل ممارستي الرياضة بعد الإصابة كنت متقبلًا الفقد والبتر، لكن المصاب يحاول أن يحسن من نفسيته وإيجاد فائدة له في المجتمع، كما أن الصورة تختلف عند رؤيته للأقران الذين يعيشون الظروف ذاتها".
يوضح رباح أن عدم وجود مسارات مخصصة لراكبي الدراجات الهوائية، وعدم وجود دراجات بمواصفات عالية، هي أحد الصعوبات التي تواجهه.
وقد حصل رباح على المركز الأول في سباق للدراجات الهوائية لمبتوري الأطراف "معًا لكسر الحواجز"، الذي نظمته اللجنة البارالمبية الفلسطينية نهاية أغسطس/ آب الماضي بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ويطمح لتحقيق إنجاز عربي ودولي.