حينما يقرأ فادي الدالي القرآن تشعر بكل حرف وكلمة يرتلها، في صوته جمال إلهي يجبرك على الإنصات إليه بإمعان، وإذا أنشد تنفض ألحانه الندية الغبار عن القلب.
يرفض الشيخ فادي تعلم المقامات، فهو يفضل أن يعيش مع القرآن بإحساسه دون أن يجعله مقيدًا بقاعدة المقام.
القارئ فادي (39 عاما) من مدينة غزة كفيف منذ الولادة، متزوج ولديه من البنات خمس، حاصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية، وماجستير في الفقه المقارن، وهو من القراء والمنشدين الأعلام في فلسطين، حفظ القرآن في عمر الـ18.
في شهر رمضان تتسابق المساجد ليؤم فادي محاريبها في صلاة التراويح، أينما حل تجد الناس يقبلون على إمامته، حيث يجدون سكينة النفس وهم يستمعون إليه.
لا يحب فادي أن يشعر بأنه كفيف حتى لو طوعت التكنولوجيا لأجله، إذ يرفض اقتناء عصا ناطقة تعينه على السير في الطرقات، يرغب بأن يعيش الحياة مبصرًا ببصيرته.
يقول فادي لـ"فلسطين": "أشعر أني مبصر في قلبي، أقوم بأمور حياتي دون مساعدة أو الاعتماد على أحد هكذا تعلمت منذ صغري، منذ قررت مواجهة الحياة معتمدا على نفسي".
في حياته مر بمحطات عدة شكلت شخصيته منذ اليوم الأول لقرار والده بإرساله إلى غزة للالتحاق بمدرسة للمكفوفين، حيث كان يعيش برفقة أسرته في السعودية، التي خلت من المدارس الخاصة بالأكفاء، فضلا عن المدارس الداخلية التي رفض والده تسجيله بها.
يضيف فادي: "كان القرار بالنسبة لأمي نزع روح، في حين كان يغلب على أبي الجانب العقلي، لكونه طبيبًا، فغلّب مصلحتي على كل شيء".
فادي مُقِلٌّ في الإنشاد أو إصدار أناشيد خاصة به، ولكن مجرد أن ينشد لغيره تنتشر المقاطع على منصات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، فما السبب؟!
يجيب: "الإنشاد ليس هدفي، أركز على الإمامة وقراءة القرآن أكثر، فمن تجربتي الشخصية وجدت أن الناس حينما تجد قارئا منشدًا تتوقف عن سماع صوته في القرآن وتركز على سماعه في الإنشاد".
ومن أكثر الأناشيد التي وجدت انتشارًا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ "عيناي"، التي أنشدها المنشد اليمني عبد القادر قوزع، وأعاد هو مع المنشد إبراهيم الأحمد إنشادها.
ولهذه النشيدة قصة يرويها فادي: "اقترح إبراهيم عليّ إنشادها ورحبت بالفكرة، وسجّلناها في استديو بتركيا، وكنا نقصد فيها الرد على أنشودة (يا أمي- الضرير) التي فيها نوعا من الحزن، لذا أردنا بث الإصرار والأمل في نفوس المستمعين".
أما المديح النبوي والانخراط فيه، الذي يلقى رواجًا بين الجمهور في مختلف المناسبات الاجتماعية والدينية أيضًا، فلا يفضله فادي، معللا بأن "هناك مآخذ على بعض الكلمات التي تحتاج إلى فلترة وفيها شرك بالله".
ومن المواقف التي صقلت شخصيته رغم قساوتها في الظاهر، يذكر أنه كان يشكو في المرحلة الثانوية من تأخر السائق عليه في أثناء ذهابه وإيابه من المدرسة، فذات يوم قرر والده بأن يدعه يستقل سيارة وحده دون سائق خاص يوميًا، وكان هذا القرار فارقًا في حياته جعله يعتمد كليًّا على نفسه وعزز استقلاليتها.
واكتشفت المدرسة بالصدفة نداوة صوت فادي في صفوف الموسيقى وهو في عمر التسع سنوات، والمسجد استعمله في طريق حفظ القرآن حتى أصبح من أشهر القراء في فلسطين.
سورتا يوسف ومريم الأقرب إلى قلب فادي، لأنهما السورتان اللتان تفضل والدته سماعهما بصوته، بتأثر يقول: "أمي هي من نفثت فيّ روح التشجيع بأن صوتي مميز في قراءة القرآن، وحينما أرتلهما أشعر بأن روح والدتي تطوف حولي، وأحرص على تسجيل مقاطع بهما وإرسالهما لها، حيث تقطن في السعودية، وهي التي كانت تُسمع لي دون كلل أو ملل أربعة أجزاء في جلسة واحدة".
ويشدد فادي أن قراءة القرآن هي عمل تطوعي لا يبغي منه الشهرة والمال، فهو إمام منذ 20 عامًا في مسجد المحطة بحي التفاع شرقي مدينة غزة.