منذ القطيعة التي أصابت العلاقة بين النظام الأردني وحركة حماس عام ١٩٩٩ والتي على أثرها غادرت الحركة الأراضي الأردنية حرصت حماس على عودة الاتصالات مع الأردن وحاولت العمل على عودة العلاقات وجسر الهوة بين الطرفين، إلا أن النظام الأردني لم يستجيب لمحاولات رأب الصدع، وبقي على مواقفه بعدم السماح لحركة حماس بالتواجد أو ممارسة أي نشاط على الاراضي الأردنية، الا أنه كان هناك عدة محاولات لكسر الجمود في العلاقة تمثلت بالسماح لعدد من قيادات حماس بزيارات ذات طابع انساني واجتماعي دون أن ترتقي الى الطابع السياسي والتي كان آخرها زيارة قيادة الحركة للمشاركة في جنازة القائد غوشة بموافقة من ملك الاردن عبدالله الثاني.
جاءت الزيارة الأخيرة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ورئيسها بالخارج خالد مشعل في وقت تشهد فيه العلاقة مع الأردن عودة للاتصالات بين الطرفين، خاصة بعدما أظهرته الحركة من رباطة جأش وقوة كبيرة في معركة سيف القدس، التي كان لها الدور الكبير في جعل النظام الاردني يقدم على الاتصال بقيادة الحركة بدعوى بحث سبل الهدوء ووقف التصعيد مع الاحتلال على أثر أحداث الشيخ جراح ومدينة القدس.
وقد كان لافتاً حجم الترحيب الشعبي الكبير الذي لاقته قيادة الحركة عند وصولها الأراضي الأردنية ومدى الاهتمام الإعلامي الواسع الذي حظيت به الزيارة على المستوى الداخلي والخارجي.
هذا الاحتفاء وهذا الترحيب يؤكد صوابية خيار الحركة ومدى قبول هذا الخيار لدى الشارع العربي الذي بات محل اجماع واسع بين أبناء الأمة العربية وفي وجدانها.
لقد كان لهذه الزيارة الدور الكبير في تسليط الضوء على تاريخ العلاقة بين النظام الأردني وحركة حماس لما تمثله هذه العلاقة من أهمية استراتيجية كبيرة لدى الشارع الأردني والفلسطيني، وما تمثله الحركة من دور كبير ومشهود كرافعة للقضية الفلسطينية وجعلها محل اهتمام دولي وعالمي، وما شكلته من حالة فريدة للمقاومة استطاعت من خلالها العمل على توحيد جهود الكل الفلسطيني في بوتقة واحدة لمواجهة الاحتلال، والعمل معا ضمن استراتيجية وطنية واضحة وموحدة.
هذا الترحيب الذي لاقاه وفد الحركة يؤكد أن الشعب الأردني والشعوب العربية قاطبة ما زالت وفية للقضية الفلسطينية وقيادتها وتعشق روح المقاومة التي تمثلها حركة حماس، وان هذه الموافقة الأردنية على زيارة الحركة للأردن ما كانت لتتم الا بقناعة لدى النظام بأن حركة حماس باتت تشكل أغلبية كبيرة من الشعب الفلسطيني، ولديها قبول واسع في الشارع الأردني والعربي وحتى الدولي.
وهذه الزيارة وان كانت غير رسمية فانه سيكون لها ما بعدها في الجانب السياسي والعلاقة بين حماس والأردن وأن النظام الأردني سيعيد حساباته في العلاقة مع حركة حماس ومنع تواجدها على الأراضي الأردنية وهذا ليس بالضرورة أن يكون لحظياً ولكن المتابع لردود الأفعال الشعبية والسياسية في الأردن يذهب بهذا الاتجاه.
حماس باتت لاعباً أساسياً في رسم ملامح السياسة الفلسطينية وطبيعة الصراع مع الاحتلال وبالتالي لا يمكن اغفال دورها في أي توجه يخص القضية الفلسطينية، وهذا الأمر أصبح واضحاً لكثير من الأنظمة العربية والدولية بما فيها الأردن التي باتت على قناعة تامة بأنه لا جدوى من استمرار القطيعة مع الحركة خاصة وأن الحركة باتت تلعب دوراً مهما في القضية الفلسطينية وبات حضورها في المحافل العربية والدولية يؤتي ثماره وله تأثير واضح على كثير من القرارات المتعلقة بالشأن الفلسطيني وأنه لا مفر ولا حلول آنية أو شاملة للقضية في هذه المرحلة دون الجلوس مع حماس.
ومن المتوقع بأن تشهد الأيام القادمة مزيدا من الاتصالات بين الجانبين، والتي قد تتم بصورة غير رسمية يتخللها بعض الزيارات لقيادة حماس الى الأردن في محاولة العودة الى العلاقات الرسمية المتبادلة بين الطرفين.