نجاح شاب فلسطيني ثائر في "تصفية أحد الجنود" الإسرائيليين المتمركزين والمحصنين في ثكنات خاصة شرق القطاع في أثناء الفعاليات الشعبية؛ شكّل إحدى أبرز التحديات التي واجهت جيش الاحتلال وأحرجت قيادته بمستوياتها المختلفة خصوصا أنها لم تتوقع الحدث، وكانت قد اتخذت العناية المطلوبة لحماية وتحصين الجنود.
فجاءت هذه الطلقات من مسدس شخصي كان يحمله هذا الفدائي لتقول للقيادة الإسرائيلية: إنكم لن تكونوا في مأمن ما دام استمر العدوان على شعبنا، وبصورة خاصة للقناص: أن مهمتك في قنص أبناء شعبنا ليست نزهة، وستكلفك حياتك، وأن الميدان قادر على التعامل معك.
فالفعل بحد ذاته أربك الاحتلال بعد أن كان يعتقد في اللحظات الأولى أن الإصابة ربما تكون نتيجة (نيران صديقة) من زملائه، خصوصا أنه وفي أحداث مختلفة لا يعترف بوقوع إصابات في صفوفه، حتى وإن كشفت التحقيقات عن ذلك، خشية من التأثير في معنويات الجنود، وحتى لا يحقق أي نجاح لأعمال المقاومة سواء كانت تنطلق من عمل منظم أو فردي.
لكن نشر الصور الأولية والفيديو لمشهد إطلاق النار من نقطة صفر على الجندي، دفع قيادة جيش الاحتلال إلى الاعتراف بهذه الإصابة ووصفها بالحرجة ومن ثم إعلان قتله بعد مرور ساعات على خضوعه لمحاولات إنعاش كبيرة، الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ إجراءات وقائية أخرى في جميع المواقع والثكنات، خشية من تكرار المشهد الذي وصفه بالخطِر وغير المسبوق.
واللافت أن إطلاق النار تم في ظل وجود طائرات الاستطلاع بأنواعها، ووجود آليات عسكرية متمركزة في محيط المنطقة، وفي ظل تمركز عشرات القناصة خلف مواقعهم المحصنة، لكنهم عجزوا عن توفير الحماية للجندي القناص، ولم يستطيعوا منع وصول الفدائي الفلسطيني إليه، كما أنهم لم يفلحوا بأي صورة في استهدافه في أثناء الانسحاب.
وهذا ما يؤكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي غير قادر على التعامل مع مفاجآت من هذا النوع، فإذا كان عاجزا عن التعامل مع عمل فردي "أفرزته الأحداث في الميدان" في رد طبيعي على إصابة المدنيين، فكيف له أن يتعامل مع عمل مخطط له ومنظم؟ والذي يمكن حينها أن يؤدي إلى إصابة عدد أكبر من الجنود القناصة ويعرض حياتهم لخطر غير مسبوق.
والشواهد في ذلك كثيرة، فقد استطاعت المقاومة تخطي كل العوائق والاحتياطات الأمنية الإسرائيلية في مناسبات مختلفة ووصلت للجنود وقامت بتصفيتهم من نقطة صفر بل وأُسر عدد منهم، والأمر لم يتوقف عند الجنود فقط، بل امتد لاصطياد الآليات والمركبات بالصواريخ الموجهة سواء في معركة سيف القدس أو المعارك الأخرى.
وعليه: فإن كل التحصينات "فوق الأرض أو تحت الأرض" لم تمنع المقاومة من الوصول لأهدافها، وكل معضلة يخلقها جيش الاحتلال تُعالِجها وتتخطاها المقاومة بما يتوفر من إمكانات متاحة، وهذا يعكس مدى الدافعية للقتال وعدم الاستسلام أو العجز أمام تعاظم القدرات والإمكانات والتجهيزات التي يجريها العدو في كل مناطق وجوده.
لذلك فإن هذا (الذئب المنتفض) شرق غزة، استطاع افتراس جندي من وحدات القناصة دون أن يلتفت للتعزيزات العسكرية أو للمخاطر المترتبة على هذا الفعل، ولم يُلقِ بالا لمصيره بعد ذلك، خصوصا أنه أصبح الآن ضمن اهتمامات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تبحث عنه منذ انتهاء الحدث لإقفال الحساب معه.
وهذه نسخة وعينة بسيطة من "آلاف الذئاب" التي تكمن في مرابضها بانتظار الإشارة للانقضاض على فرائس أخرى من الجنود الإسرائيليين أينما وُجدوا، فإرادة القتال تتعاظم لدى هؤلاء بصورة غير عادية، لأن ما يفعله الاحتلال صباح مساء في كل الأرض الفلسطينية يجعل الشباب الفلسطيني متأهبا ومتجهزا لتدفيع العدو الثمن.
وعليه فإن استمرار الحصار والعدوان والتهرب من تنفيذ أي استحقاقات فرضتها المقاومة في المعركة الأخيرة والمعارك الأخرى سيؤدي حتما لمشاهد مماثلة، لكنها ستكون أكثر عنفا وأكثر قوة في كل الأراضي الفلسطينية وليس في غزة وحدها، فلا أحد يمكنه أن يضمن الهدوء للاحتلال بالمجان، فمن يعنيه أمن واستقرار الاحتلال فليسارع لكسر الحصار ووقف العدوان على الفلسطينيين، وإلا فإن القادم هو أسوأ ما يتوقعه الاحتلال.