أوصى اختصاصيون اقتصاديون بإنشاء مؤسسات عامة تجمع القطاعين (الحكومي والخاص) لتنفيذ مشاريع كبرى في مجالات عدة، كالطاقة والإنشاء والمياه، لسد احتياجات السوق المحلي وإعادة التوازن التجاري الذي يصب في مصلحة الاحتلال، مشيرين إلى أن رفع نسبة الصادرات الفلسطينية يزيد من حجم الكتلة النقدية في الأراضي الفلسطينية ويساهم في الحفاظ على التدفقات النقدية في عجلة الاقتصاد.
وصعد عجز الميزان التجاري الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي -وهو الفرق بين قيمة الصادرات والواردات– (بنسبة 1.3% ) خلال يونيو الماضي على أساس شهري.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء بلغ عجز الميزان التجاري في يونيو الماضي ( 157.4 ) مليون دولار، في حين سجل عجز الميزان التجاري السلعي مع الاحتلال الإسرائيلي في مايو ( 155.3 ) مليون دولار أمريكي.
ويأتي ارتفاع العجز على الرغم من بدء الفلسطينيين اعتبارا من نهاية أبريل الماضي حملة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية بالتزامن مع هبة القدس والعدوان الأخير على غزة.
تبعية الاقتصاد الفلسطيني
وأكد الاختصاصي الاقتصادي د. أسامة نوفل أن اتفاق "باريس" ساهم في زيادة تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، الذي نتج عن مخرجاته السلبية عجز كبير في الميزان التجاري لصالح الاحتلال، مبيناً أن ( 85% ) من واردات الفلسطينيين من السلع والبضائع تأتي من السوق الإسرائيلية، في حين أن ( 15% ) من الخارج.
وأضاف نوفل لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال يحقق مكاسب اقتصادية من جراء هذا العجز، حيث إنه حول الأراضي الفلسطينية لدرجة السوق الثانية بعد السوق الأمريكي، ووفر على شركاته تكاليف النقل والشحن للتداخل الجغرافي بين الاحتلال ومناطق السلطة الفلسطينية، كما أن الاحتلال يجد في المنتجات خاصة الزراعية التي لا تجد لها رواجاً في أسواقه منفذاً نحو الأسواق الفلسطينية.
ونبه نوفل إلى أن زيادة الواردات الفلسطينية على حساب الصادرات تهدد مستقبل الاقتصاد الفلسطيني وقدرته على الاستدامة، خاصة في ظل سيطرة الاحتلال على المعابر وفرضه الحصار على غزة وهيمنته على منطقة ( ج ) الغنية بالموارد الاقتصادية في الضفة الغربية المحتلة.
وقال: "إن زيادة الواردات على حساب الصادرات خلقت حالة من التشوه في الميزان التجاري لصالح الاحتلال، وهو ما انعكس على عجز الاقتصاد الفلسطيني على النمو، وعلى أثره زاد معدل المتعطلين عن العمل، والكساد التجاري، وتراجع الإنتاج الخاص، لأن السوق المحلي بات يعتمد بدرجة أكبر على ما ينتجه الغير".
وأكد نوفل أن ثمة مطالب لا بد من ذكرها في هذا الصدد، أولها البحث عن مساندين للفلسطينيين من أجل الضغط على الاحتلال لرفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر والسماح بتصدير منتجات القطاع إلى الخارج، وكذلك الحال في الضفة الغربية الضغط لوقف وضع الاحتلال عراقيله على المعابر ورفع يده عن المناطق الغنية بالموارد الاقتصادية، وإعطاء الفرصة التسويقية أمام المنتج الوطني وذلك بتشجيع المستهلك على اقتنائه شرط أن يتسم المنتج الوطني بالجودة والسعر الملائمين، مع تقديم الحكومة تسهيلات وإعفاءات لأصحاب المصانع والمنشآت لمساعدتهم على التطور وتجاوز العقبات، فضلاً عن ذلك التحرر التدريجي من هيمنة السوق الإسرائيلية على السوق الفلسطينية بالتوجه نحو الاستيراد من الخارج على أن يكون الاستيراد للسلع التي لا يتوافر لها بديل محلي.
وحسب الإحصاء، في يونيو الماضي بلغت قيمة الصادرات الفلسطينية للاحتلال ( 114.8 ) مليون دولار تشكل نسبتها ( 92% ) من إجمالي صادرات فلسطين للخارج مقارنة مع ( 94 ) مليون دولار في مايو.
في المقابل بلغت قيمة الواردات الفلسطينية مع الاحتلال خلال يونيو ( 272.2 ) مليون دولار، تشكل نسبتها ( 50%) من مجمل الواردات، مقابل ( 249.3 ) مليون دولار في مايو.
وارتفعت الصادرات الفلسطينية خلال يونيو 2021 مع العالم بما فيها الاحتلال بنسبة ( 21% ) مقارنة مع الشهر السابق، كما ارتفعت بنسبة ( 27% ) على أساس سنوي إلى ( 124.8) مليون دولار.
كذلك ارتفعت الواردات السلعية خلال يونيو بنسبة ( 18% ) على أساس شهري وبزيادة ( 39%) على أساس سنوي إلى ( 544.5) مليون دولار أمريكي.
أما الميزان التجاري فقد سجل ارتفاعاً في قيمة العجز بنسبة ( 17% ) خلال يونيو على أساس شهري وبزيادة ( 42%) على أساس سنوي إلى ( 4197 ) مليون دولار.
من جهته قال الاختصاصي الاقتصادي د. بكر اشتية، إن ارتفاع العجز التجاري لصالح الاحتلال سببه أن الفلسطينيين يعتمدون على الاحتلال في استيراد سلع إستراتيجية لا بديل لها في الإنتاج المحلي، مثل المحروقات والمياه والكهرباء، وبالتالي فإنه من الصعوبة مقاطعة هذه المنتجات في الوقت الذي يقفل الاحتلال أي منافذ يمكن لصانع القرار الفلسطيني التوجه إليها لإدخال تلك السلع بعيداً عن المحتل.
وأشار اشتية إلى أن الارتفاع في الميزان التجاري ليس بالضرورة أن يكون بسبب الكميات، فارتفاع الأسعار كما حدث في فاتورة المحروقات العام المنصرم كان السبب، حيث رفع الميزان التجاري لصالح الاحتلال وهو أمر مرجح أن يتكرر هذا العام.
وأكد أن الميزان التجاري مهم جداً للحفاظ على بقاء الكتلة النقدية في الاقتصاد، فحدوث عجز يعني زيادة في تسرب الأموال لخارج فلسطين وهذا يترتب عليه تراجع في حجم الكتلة النقدية المتوافرة، ما يعني إعاقة في التدفقات النقدية وتباطؤا في عجلة الاقتصاد الفلسطيني، خاصة أننا اقتصاد ناشئ يعتمد على التمويل الخارجي.
ويؤكد اشتية أهمية أن تتولى مؤسسات عامة تجمع القطاعين العام والخاص، إنشاء مشاريع إستراتيجية لسد احتياج السوق لصالح خفض الميزان التجاري.
وقال:" إن كثيرا من الدول أوجدت لنفسها مؤسسات عامة، تعطي للقطاع الحكومي نسبة 51% والقطاع الخاص 49% بحيث يوفر القطاع الحكومي التمويل ويحافظ على مصالح أصحاب الدخول والفئات المهمة والقطاع الخاص وظيفته التطوير والتوسع".
وأضاف في هذا الصدد "أن القطاع الحكومي من الصعوبة أن ينفذ هذا الدور بمفرده وكذلك القطاع الخاص وبالتالي لا بد من المزج بين الدورين، حتى نساعد في إنشاء مشاريع تسد العجز في السوق المحلي من السلع غير الموجودة مثل المحروقات، والأسمنت، والأدوات الكهربائية والإلكترونية وغير ذلك".
وشدد على ضرورة وضع خطة إستراتيجية لإعادة إدارة رأس المال العام للسلطة بما يخدم الاقتصاد الفلسطيني ويعالج التشوهات فيه.